الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر طرف من أخباره

إنه كان مكتوبا على سرير كسرى : الدين لا يتم إلا بالملك ، والملك لا يتم إلا بالرجال ، والرجال لا يتمون إلا بالمال ، والمال لا يجيء إلا بعمارة الأرض ، والعمارة لا تتم إلا بالعدل .

وكان على جانبه مكتوب: عدل السلطان أنفع [ للرعية ] من خصيب الزمان .

ورفع إلى كسرى أن عامل الخراج بالأهواز قد جنى فضل ثمانية آلاف درهم على ما يجب من الخراج ، فوقع برد المال وقال: إن الملك إذا عمر بيوت أمواله بما يأخذ من الرعية كان كمن عمر سطح داره بما يقلعه من قواعد بنائه .

ومات لكسرى ولد فلم يجزع عليه ، فقيل له في ذلك فقال: من أعظم الجهل شغل القلب بما لا مرد له .

وكان يقول: الغم مدهشة للعقل ، مدهشة للطبع ، مقطعة للحيلة ، فإذا ورد على العاقل ما يحتاج فيه إلى الحيلة قمع الحزن ، وفرغ العقل للحيلة .

وقال: القليل مع قلة الهم أهنأ من الكثير مع عدم الدعة .

وقال: لما فرغت من [ إصلاح ] الأمور الخاصة والعامة إلى قبول ما لا خير فيه [ ص: 114 ] إلا بالأكثر ، لكنني آثرت طاعة الله . ونظرنا في سير الروم والهند ، فاصطفينا محمودها ، ومن أعظم الضرر على الملوك الأنفة مع العلم .

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال: أخبرنا عبد العزيز بن الحسين الضراب قال: حدثنا أبي قال: أخبرنا أحمد بن مروان قال: أخبرنا إسماعيل بن يونس قال: أخبرنا الرقاشي عن الأصمعي قال: كان لكسرى جامان من ذهب يأكل فيهما ، فسرق رجل من أصحابه جاما وكسرى ينظر إليه ، فلما رفعت الموائد افتقد الطباخ الجام ورجع يطلبه ، فقال له كسرى : لا تعن ، قد أخذه من لا يرده ، ورآه من لا يفشي عليه . فدخل الرجل إليه بعد ذلك وقد حلى سيفه ومنطقته ذهبا فقال له كسرى بالفارسية: يا فلان بعني السيف والمنطقة [ من ذاك ] قال: نعم . ولم يفطن بذلك أحد غيرهما وسكت .

وروى إبراهيم بن عبد الصمد قال: لما عمل كسرى القاطول أضر ذلك بأهل الأسافل ، فانقطع عنهم الماء حتى افتقروا وذهبت أموالهم ، فخرج أهل ذلك البلد إلى كسرى يتظلمون ، فوافوه وقد خرج ، فتعرضوا له وقالوا: جئنا متظلمين . فقال: ممن ؟ قالوا: منك . فثنى رجله ونزل عن دابته وجلس على الأرض ، فأتاه بعض من معه بشيء يقعد عليه فأبى ، وقال: لا أجلس إلا على الأرض إذا أتاني قوم يتظلمون مني ، ثم قال: ما مظلمتكم ؟ قالوا: [ أحدثت ] القاطول فقطع عنا شربنا ، وذهبت معايشنا . قال: فإني آمر بسده . قالوا: لا يحسمك هذا ، ولكن مر من يعمل لنا مجرى ماء من فوق القاطول ، ففعل فعمرت بلادهم . [ ص: 115 ]

وكان كسرى يقول: قد خفت أن يحجب عني المظلوم . فعلق على أقرب البيوت من مجلسه سترا وعلق عليه الأجراس ، ونادى مناديه: من ظلم فليحرك هذا الستر .

التالي السابق


الخدمات العلمية