[ ص: 151 ] منهم: الكهف : أصحاب
قال رضي الله عنه: إنهم قوم هربوا من ملكهم حين دعاهم إلى عبادة الأصنام ، فمروا براع له كلب يتبعهم على دينهم ، فآووا إلى ابن عباس كهف يتعبدون ، وكان منهم رجل يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة إلى أن جاءهم يوما فأخبرهم أنهم قد ذكرهم الملك ، فعوذوا بالله من الفتنة ، فضرب الله على آذانهم وأمر الملك ، فسد عليهم الكهف ، وهو يظنهم أيقاظا ، وقد توفى الله أرواحهم ، وفاة النوم وكلبهم قد غشيه ما غشيهم ثم إن رجلين مؤمنين يكتمان إيمانهما كتبا أسماءهم وأنسابهم وخبرهم في لوح من رصاص وجعلاه في تابوت من نحاس [ وجعلاه ] في البنيان ، وقالا: لعل الله عز وجل يطلع عليهم قوما مؤمنين فيعلمون خبرهم .
وقال : وألقى الله عز وجل في نفس رجل من أهل البلد أن يهدم ذلك البنيان ، فيبني به حظيرة لغنمه فاستأجر عاملين ينزعان تلك الحجارة ، فنزعاها ، وفتحا باب ابن إسحاق الكهف ، فجلسوا فرحين ، فسلم بعضهم على بعض ، لا يرون في وجوههم ولا أجسادهم شيئا يكرهونه ، إنما هم كهيئتهم حين رقدوا ، وهم يرون [ أن ] ملكهم في طلبهم فضلوا .
وقالوا لتمليخا صاحب نفقتهم: انطلق [ فاسمع ما يذكرونه ] وابتع لنا طعاما ، فوضع ثيابه ، وأخذ الثياب التي يتنكر فيها وخرج ، فمر مستخفيا متخوفا أن يراه أحد ، فلما رأى باب المدينة رأى عليه علامة تكون لأهل الإيمان فعجب ، وخيل إليه [ ص: 152 ] أنها ليست المدينة التي يعرف ، ورأى ناسا لا يعرفهم ، فتعجب ، وجعل يقول: لعلي نائم ، فلما دخلها رأى قوما يحلفون باسم عيسى فقام مسندا ظهره إلى جدار ، وقال في نفسه: والله ما أدري لما هذا إلا غشية ، أمس لم يكن على وجه الأرض من يذكر عيسى إلا قتل ، واليوم أسمعهم يذكرونه ، لعل هذه ليست بالمدينة التي أعرف ، والله ما أعرف مدينة قرب مدينتنا [ شيئا ] .
فقام كالحيوان ، وأخرج ورقا ، فأعطاه رجلا ، وقال: بعني طعاما . فنظر الرجل إلى نقشه فعجب ثم ألقاه إلى آخر ، فجعلوا يتطارحونه بينهم ويتعجبون ويتناقدون وقالوا: إن هذا قد أصاب كنزا ففرق منهم وظنهم قد عرفوه ، فقال: أمسكوا طعامكم فلا حاجة لي إليه ، فقالوا له: من أنت يا فتى ، والله لقد وجدت كنزا ، وأنت تريد أن تخفيه ، فشاركنا فيه ، وإلا أتينا بك إلى السلطان فيقتلك . فلم يدر ما يقول ، فطرحوا كساءه في عنقه وهو يبكي ويقول: فرق بيني وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما أصبت فأتوا به إلى رجلين كانا يدبران أمر المدينة ، فقالا: أين الكنز الذي وجدت ؟ فقال: ما وجدت كنزا ، ولكن ما هذه ورق آبائي ونقش هذه المدينة وضربها ، ولكن والله ما أدري ما شأني ولا ما أقول [ لكم ] .
قال : وكان ورق مجاهد أصحاب الكهف مثل أخفاف الإبل فقالوا: من أنت ، وما اسم أبيك ؟ فأخبرهم ، فلم يجدوا من يعرفه ، فقال له أحدهما: أتظن أنك تسخر منا وخزائن هذه المدينة بأيدينا وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار ، إني سآمر بك فتعذب عذابا شديدا ، ثم أوثقك حتى تعرف هذا الكنز .
فقال تمليخا : أنبئوني عن شيء أسألكم عنه ، فإن فعلتم صدقتم . قالوا: سل ، قال: ما فعل الملك دقيانوس ، قالوا: لا نعرف اليوم على وجه الأرض ملكا يسمى دقيانوس ، وإنما هذا ملك منذ زمان طويل ، وهلكت بعده قرون كثيرة ، فقال: والله ما يصدقني أحد بما أقوله ، لقد كنا فتية ، وأكرهنا [ ص: 153 ] الملك على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت ، فهربنا منه عشية أمس ، فنمنا ، فلما انتبهنا خرجت أشتري لأصحابي طعاما ، فإذا أنا كما ترون ، فانطلقوا معي إلى الكهف أريكم أصحابي .
فانطلقوا معه وسار أهل المدينة فكان أصحابه قد ظنوا لإبطائه عليهم أنه قد أخذ ، فبينما هم يتخوفون ذلك إذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل ، فظنوا أنهم رسل دقيانوس ، فقاموا إلى الصلاة وسلم بعضهم على بعض فسبق تمليخا إليهم وهو يبكي فبكوا معه وسألوه عن شأنه فأخبرهم ، وقص عليهم النبأ كله ، فعرفوا أنهم كانوا نياما بأمر الله عز وجل ، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس ، وتصديقا للبعث .
ونظر الناس [ إلى ] المسطور الذي فيه أسماؤهم وقصتهم فأرسلوا إلى ملكهم ، فجاء واعتنق القوم وبكى ، فقالوا له: نستودعك الله ونقرأ عليك السلام ، حفظك الله ، وحفظ ملكك ، فبينا الملك قائم رجعوا إلى مضاجعهم ، وتوفى الله سبحانه أنفسهم ، فأمر الملك أن يجعل لكل واحد منهم تابوت من ذهب ، فلما أمسى رآهم في المنام ، فقالوا: إنا لم نخلق من ذهب وفضة ، ولكنا خلقنا من تراب ، فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب ، حتى يبعثنا الله منه ، وحجبهم الله عز وجل حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر أحد أن يدخل عليهم ، وأمر الملك فجعل على باب الكهف مسجدا يصلى فيه ، وجعل لهم عيدا عظيما يؤتى كل سنة