النظر الثاني ، في أحكام القسمة : وهي ثلاثة أقسام :
القسم الأول : في التداعي في القسمة ، في الكتاب : إذا مضى القسم ويحلف المنكر لأن الأصل عدم الغلط إلا أن تقوم بينة أو يتفاحش الغلط فينتقض لعدم الرضا به ، وقال الشافعية : إذا قلنا هي بيع لا تنفع دعوى الغلط ، ولو ادعى دخول ثوب في قسمه لم ينقض إذا أشبه قسم الناس ، وحلف المنكر ، وكذلك إذا تكافأت بيناتهما لأن الأصل عدم الاختلاط والغلط ، [ ص: 231 ] وليس كمن باع عشرة فقبضها المبتاع ثم ادعى البائع الغلط بالعاشر ، إن كانت قائمة انتفض البيع بعد أيمانهما بخلاف القسم لاتفاقهما في البيع على عدم دخوله في البيع ، والأصل : عدم العدوان ، ولو اقتسما دارا فتداعيا بيتا ليس بيد أحدهما تحالفا وتفاسخا لعدم تعينه لأحدهما ، ومن حاز البيت أو أقام بينة صدق لرجحان حجته ، ومن لزمته يمين فنكل لم يقض لغريمه حتى يحلف ليكمل السبب ، ولو قال كل واحد : الساحة من هنا ورفع إلى جهة صاحبه ، إن اقتسما البيوت على حدة والساحة على حدة تحالفا وفسخ قسم الساحة وحدها لعدم تعين القسم فيها على حالة ، وإن جمعها القسم تراضيا فسخ الجميع إن حلفا لعدم رجحان أحدهما . قال ادعى بعد القسم غلطا ابن يونس : قال أشهب : لا يمين على منكر الغلط كالكاتب على نفسه ذكر حق ، ثم يدعي الغلط في المحاسبة ، قال ابن حبيب : إذا ادعى الغلط بعد القسم وإن اقتسموا بالتراضي بغير سهم وهم جائزو الأمر لا ينظر إلى دعوى الغلط كان ببينة أو بغيرها ; لأنه كبيع التساوم ، ويلزم فيه الغبن ; فإن اقتسموا بالقرعة قبل قوله بالبينة وبتفاحش الغلط ، ويرد القسم كبيع المرابحة ، ولا يعدلوا الأنصباء على البقاء على سهامهم لكن يقسم ثانية ، ولو لم يكن الغلط إلا في نصيب واحد بزيادة لنقض القسم ; فإن فات نصيبه بالبناء رجع عليه من نقض سهمه بقيمة ذلك مالا ; فإن فات ببيع ولم يبين المبتاع نقض بيعه ورد القسم ; فإن بنى رجع ناقص السهم على البائع بقيمة ذلك مالا ; فإن لم يجد عنده شيئا رجع على المشتري بذلك مالا ، ورجع المشتري على البائع في ذمته ، قال أبو محمد : كيف يرجع على المشتري وبماذا يرجع بحصة الثمن أو القيمة ؟ فالذي أراد ابن حبيب : الرجوع بقيمة نقص سهمه ، قال ابن حبيب : وإن بنى الذي لم تقع الزيادة في سهمه ولا الذي الزيادة عنده انتقض القسم فيما لم يبق من السهام لعدم الفوت فيها ، وفي السهم الذي فيه الزيادة وما فات بالبناء فما لم يقع فيه غلط مضى ; وإنما [ ص: 232 ] قال في مسألة البيع : إذا كانت الثياب قائمة تحالفا وتفاسخا لأن الشقق الآخر اختلفا في ثمنها فيقول المبتاع : ثمنها تسعة أعشار الثمن ، ويقول البائع : بل جميع الثمن ; فإن فاتت الثياب بحوالة الأسواق حلف المبتاع أنه ما ابتاع إلا عشرة ، والبائع ما باع إلا تسعة ، ويأخذ ثوبا منها شقة بحصتها من الثمن المصادق عليه ; فإن فاتت بذهاب أعيانها : فإن كانت قيمة الثوب منها أكثر مما يخصها من الثمن فأقل حلف المبتاع ولزمه ما يخص تسعه ، وحلف البائع ، وأخذ قيمة الثوب ، وإن كانت قيمته مثل حصته من الثمن فأقل حلف المبتاع وبرئ ، قال ابن عبدوس : قال أشهب : في القسم : يتحالفان ويتفاسخان ، قال : وأنا أقول : يقتسمان هذا الثوب نصفين بعد أيمانهما .
قال اللخمي : أربعة أقسام : أحدها أن يعدلا ذلك بالقيمة والقرعة أو بغير قرعة ; فإن قال أهل المعرفة كان ذلك سواء ، أو قريبا فلا ينتقض القسم ، وصدق مدعي الوهم أو الغلط . وثانيها أن يقولا : هذه الدار تكافئ تلك الدار ، أو العبد يكافئ ذلك العبد ، من غير ذكر قيمة بقرعة أم لا فكالأول ; لأن مقصود ذلك التعديل وعدم الرضا بالغبن ، وكذلك هذه الدار تكافئ هذا المتاع أو هذا العبد ، وثالثها : خذ هذه الدار والعبد ، وأنا هذه الدار والعبد ، من غير تقويم وذكر مكافأة ; فإن كان القسم بالتراضي مضى القسم بالغبن كالبيع إلا على من قال : الغبن في البيع يرد ، وإن اقتسما بالقرعة عالمين بالتفاوت فسد القسم لاشتمال القرعة على الغبن ، وفسخ قهرا ، وإن لم يدع لذلك ; فإن طلبا التساوي جاز ، والقيام في ذلك كالعيب ; فإن قام به من عنده الغبن فسخت القسمة ، وإن رضي به مضت . ورابعها : الاختلاف في القسمة التي وقع عليها القسم ، يقتسمان عشرة أثواب يقول أحدهما : ستة لي بالقسم ، ويقول الآخر : بل خمسة ، وخمسة سلمته [ ص: 233 ] غلطا ، فيصدق الحائز له عند دعوى الغلط ابن القاسم مع يمينه إذا أتى بما يشبه لإقراره بدخوله في القسم ، والأصل : عدم الغلط ، ولادعائه وقوع القرعة فاسدة ، وتصرفات العقلاء محمولة على الصحة فيصدق مدعيها كالبيع ، وقال أشهب : لا يمين عليه إن قال الآخر : سلمته غلطا ، وإن قال : سلمته وديعة صدق مع يمينه أنه قاسم خمسة وخمسة ، وخير الآخر بين أسلامه أو يحلف أنه قاسمه ستة وأربعة ويتفاسخان ذلك الثوب وحده ، قال ابن حبيب : إن اقتسما بالتراضي لم ينظر إلى غيره ، وإن كثر الغلط كبيع المساومة يلزم ، أو بالقرعة بتعديل القسم لم يقبل قوله إلا بتفاحش الغلط ، ويرد القسم ، قال اللخمي : فإن أشكل القسم صدق من بيده السادس إن أقر الآخر أنه سلمه غلطا ، أو للإيداع تحالفا وتقاضى القسم كله . وإن حاز أحدهما صدق مع يمينه ; فإن نكل حلف الآخر وأخذه ، وأما اختلافهما في حد الجدار فيقول أحدهما : الحد من هاهنا ودفع عن جانبه ، وقال الآخر : من هاهنا ودفع إلى جانب صاحبه فقد تقدم ; فإن ادعى أحدهما معرفة الحد وشك الآخر صدق مدعي العلم ، واختلف في يمينه ; فإن شكا قسما المشكوك فيه لعدم رجحان أحدهما .
فرع
قال اللخمي : إن . . . . . . . القسم ووكلا ، ثم ادعيا غلط القاسم أو جوره رجع الأمر إلى السلطان ; فإن وجده على التعديل مضى ; فإن رضيا بالنقض استأنفا القرعة ، أو التراضي بالقسم امتنع لانتقالهم من معلوم معين إلى مجهول مستقبل ; وإن تراضيا بالنقض ليأخذ كل واحد شيئا معينا جاز ; وإن وجدوا على غير تعديله نقضا كان القسم برضا الورثة أو ببعثه من السلطان ، ولم ير مالك قسم القاسم كحكم الحاكم ; وإن كانا معا مجتهدين : فالحاكم لا ينقض اجتهاده باجتهاد غيره ، واختلف في نقضه هو إذا تبين الخطأ : ابن القاسم ينقضه هو وغيره إذا كان خطأ [ ص: 234 ] بينا لمخالفة النص ; لأنه إنما دعي إلى القسم بالتعديل ، والغلط يعرف قطعا ، وقال أشهب : هما سواء ، إذا تبين الغلط يرد ; وإن كان مما يكون من القسام جاز على من أسهم له ينظر في الحصص الباقية ; فإن كانت إذا أعيدت خرج على ما هو أحسن أعيد القسم . وينقض الأول ، وكذلك قال في القاضي إذا حكم بشاذ مباين للحق نقضه غيره ، أو قريب لم ينقض ; وإن لم يباين لم يكن لغير القاسم نقضه ، ولا ينتقض اجتهاده باجتهاد غيره ، واختلف هل ينقضه القاسم نفسه إذا تبين له أن غير الأول الصواب ; وإن كانت . . . . . على السهام فأعطي بعضهم ثم تبين أن غير ذلك أحسن ، أعيد القسم فيما اقترع عليه ، ويختلف فيما مضى هل ينقض أم لا ؟ وإذا لم يتبين الغلط حتى وقع هدم أو بناء على من يرجع عليه في الهدم شيء ، ويختلف هل بقيمة البناء أم لا ؟ لأنه بإذن الشريك .
قاعدة : المدعي إبراء من خالف أصلا كمدعي شغل الذمم ; لأن الأصل : براءتها لولادة كل أحد بريئا كمدعي رد الوديعة بغير بينة ، وقد أخذها ببينة ; فإن العادة تقتضي أنه إن أشهد عليه أشهد ، وكالوصي يدعي إنفاق ما يخالف العادة ، والمدعى عليه قوله موافق للأصل كالمدعى عليه شغل ذمته ، أو عرفا كاليتيم إذا بلغ فيما تقدم فيصير المدعى عليه الطالب لا المطلوب ، وقيل : المدعى عليه أرجح المتداعيين سببا ، وهو نحو الأول ، وهذه القاعدة تقرير قوله - عليه السلام : ( ) فعلى هذه القاعدة يتخرج من يحلف ومن يطالب بالبينة في هذا الباب وفي غيره من أبواب الفقه . لو أعطي الناس بدعاويهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ، ولكن البينة علي من ادعى واليمين على من أنكر
[ ص: 235 ] فرع
قال مطرف : فسخ ولا يعمل بينهم ، ولا يقرون عليه لأنه أقامه على تصرف فاسد كإقرار البيع الفاسد ، وكذلك لو لم يقع إلا في نصيب واحد لأعيد ما لم يفت ببناء من الذي وقع ذلك في سهمه فيرجع بقيمة نقضه مالا ، ولو باع ولم يبين رد البيع وفسخ القسم . فإن بنى المشتري رجع ناقض السهم على البائع بقيمة ذلك . . . . . . ورجع على المشتري مالا أيضا ، ورجع المشتري على البائع في ذمته ، فلو بنى غير الزائد السهم انتقض القسم فيما لم يبين ، وفي السهم الذي فيه الزيادة كما تقدم وما فات بالبناء مما لم يقع فيه الغلط يمضى . فإذا أخطأوا في القسم في الأرض