الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال صاحب التنبيهات : يقسم الماء بالقلد .

                                                                                                                فائدة : قال : القلد ، بكسر القاف وسكون اللام ، وهو القدر التي يقسم بها الماء ، قاله جماعة ، وقال ابن دريد : هو الحظ من الماء ، يقال سقينا أرضنا بقلدنا أي بحظنا ، وقال ابن قتيبة : هو سقي الزرع وقت حاجته .

                                                                                                                تمهيد : قال صاحب التنبيهات : اختلف الأصحاب في ضبط القلد فذكروا صفات وأورد بعضهم على بعض أسئلة كثيرة ، وقد جمعت ذلك محررا . فقال عبد الملك وأصبغ وغيرهما : يثقب أسفل قدر بمثقب يمسكه الأمينان عندهما ، وتعلق على قصرية ويصب الماء فيها مع الفجر ، وكلما قرب فراغه صب إلى الفجر من الغد ، ويقسم الماء المجتمع على أقلهم سهما أو كيلا أو وزنا ، ثم يجعل لكل شريك قدر يحمل سهمه ويثقب بالمثقب الأول ويعلق بمائه ويصرف الماء كله إليه فيسقي ما دام الماء يسيل من القدر ; فإن تشاحوا في التبدئة استهموا ، وقيل : هذا فاسد إذا كان بعضهم أكثر سهما ; لأن كبر القدر [ ص: 228 ] يوجب الثقل وشدة الجرية أمثال غيره بضغط الماء فيعين صاحبه . ،

                                                                                                                وإنما يصح من تساوي الأنصباء ، بل تجعل القدور مستوية ويأخذ السهم الكثير عددا من القدور ، وأيضا قولهم بصب الماء عند الفراغ باطل ; لأن جرية الماء عند امتلاء القدر أشد ، بل ينبغي صب الماء عند أول النقص ، وأيضا ينقضي الليل والنهار في القدور المتفرقة قبل تمام الماء في القدر الواحدة ، ويزيدان مع القدور لأجل ثقل الماء في الواحدة ، فيفضل مع القدور من الليل والنهار فضل ، ومن الأشراك من لم يسق ، وقال ابن العطار : بل يكفي نصيب الأقل في القلد ويسقي إلى أن يذهب فيلقى فيه مكيلة للآخر كذلك حتى ينقضي اليوم والليل ، والسؤال الأخير وارد على ابن العطار ، فيأخذ صاحب الماء القليل أكثر من حقه لضعف جرية مائه ، ويفضل من الزمان والأشراك كما تقدم ، وقال غير ابن العطار من الصقليين : لا يلتزم الليلة واليوم بل يبتدئ أي وقت شاء أو يقرعوا إذا فرغت نوبهم ، وإن زاد على اليوم والليلة ، وقاله ابن يونس فسلم من السؤال الأخير ومن سؤال آخر سيأتي في الليل والنهار لدوران النوب في الليل والنهار ، فمن سقى بالليل مرة سقى بالنهار أخرى ، وقال ابن لبابة : تؤخذ قدر مستوية يثقب في جانبها ثقبا بقدر الأنصباء لكل قسط ثقب بقدر مبلغ ماء القسط الأول في جانبها ، ويثقب للثالث آخر الثاني هكذا ، فمن خرج سهمه ألقي ماؤه في القلد ; فإن أخرجت القرعة من له ثلاثة أقساط ، فتح الثقب الأول فإذا انقضى القسط الذي فوق ، فتح الثاني ثم كذلك الثالث فإذا تم انقضى سهمه ، ويرد عليه : أن خروج قسط ماء من ثقب تحته في جانب القدر [ ص: 229 ] ليس كقوة خروجه أولا من أسفل القلد وهو مملوء ، وقال ابن أبي زمنين : بل يثقب لصاحب الثلث ثقبا في ثلث القدر ، ولصاحب النصف في نصفها على قدر سهامهم ، ويرد على الوارد علىابن لبابة .

                                                                                                                قال القاضي : والذي يظهر لي ما يسلم من هذه الأسئلة وهو أقل عملا وأواني ، وهو أن ينصب مع الفجر ولا يتركه ينقص ثم يقسم ماء يوم وليلة على ما تقدم ، أو تجعل أواني تحته عرفنا وزنها أو كيلها كلما امتلأت أزلناها ونصبنا أخرى مثلها ، وأرقنا الأول وأدركنا بها نقص القلد ثم هكذا يتناول بين اثنين حتى يمضي النهار والليل ، وقد عرفنا عدد ما ملأناه من الأواني وتستغني بذلك من أعداد الماء في الجرار للسكب في القلد وعن أعداد القصاري لجمع الماء ثم نقسم ذلك وعرفنا ما يقع لكل سهم بتلك الاثنين ويحفظها ثم يعلق القلد مملوءا كما فعلنا أولا ونصبنا تحته الآنية مع الفجر وبدأنا بالأول كما تقدم وفتحنا الثقب وكلما نقص منها شيء عوضناه على ما تقدم حتى يعتدل عند السقي كما اعتدلت . . . . . هذه الآنية ؛ فمن كانت قدر نصيبه حول الماء وجعلت الأخرى لغيره وأريقت هذه واستدركت منها ما تصب من ماء القلد ومن له اثنان أبدا ولا يحتاج إلى غيرهما ، ويتعاهد القدر في كل ذلك فتذهب الاعتراضات كلها إلا واحدا وهو أن السقي بالليل قد يرغب فيه لكثرة الماء فيه وسرعة جريته لغلبة الرطوبة على الأرض والهواء ليلا والراحة من حر الشمس وأنه أحسن للشجر والنبات ، وقد يرغب في النهار لقلة مؤنته والراحة من الظلام والسهر ولا يصح جمعهما في قرعة للاختلاف فينبغي أن يفرق القلد فيجعل سهم الليل وحده والنهار وحده إلا أن يقال : أن هذا تدعو إليه الضرورة كقسم الدار فيها بناءان : عتيق وجديد ، والأرض فيها خسيس ونفيس .

                                                                                                                وقال ابن لبابة : أحب إلي قسم ماء كل ليلة وفي كل يوم على شهور العجم لاختلاف الليالي والأيام . قال القاضي : وهذا شاق لاحتياج كل ليلة أو يوم لمقياس أو نصف السنة ويلحق به النصف الآخر .

                                                                                                                [ ص: 230 ] قال ابن العطار : ينظر إلى بعيد الأرض وقريبها إن كان أصل اشتراكهما بميراث أو غيره ، ثم تقاسموا استوى القريب والبعيد ، وليس للبعيد أن يقول : لا يحسب علي الماء حتى يدخل أرضي ; لأن أرضه عند القسم قومت ببعدها عن القلد بقيمة أقل ; وإن لم يكن في الأرضين قسم ولا اشتراك ولا كيف ملكها إلا أنهم شركاء ( في الماء فلا يحسب على البعيد حتى يدخل أرضه ، وعن عبد الملك في القوم يرثون الأرض عليها ماء ) مأمون كثير يقتسمون الأرض وبعضهم أقرب للعين فيقل الماء فيصير يقوم بالقريب دون البعيد ، فأرادوا إعادة القسم فيمضى قسم الأرض ويعاد قسم الماء فيزاد للبعيد على القريب حتى يستووا فيه فيعطى البعيد أكثر ، كما لو قسمت بالماء أولا . قال القاضي : وعلى هذا لا يصح قسم ماء القلد ولا قياسه ولا جمع ما يخرج منه حتى يطلق أولا الماء إلى الأرض ، وماء ثقب القلد يجري حينئذ في الأرض مراقا غير مجموع ولا محسوب ، فإذا ورد أرضه أشهد الشهود ببلوغه بصوت أو ضرب بشيء يبلغهم صوته لوقته فيبتدرون بجمع الماء في الآنية وحسابه على ما تقدم . قال القاضي : وهذا يجمع في أمر القلد لا يكاد يوجد في كتاب مجموعا هكذا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية