الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا تقسم الثمار مع الأصل ، وإن كان التمر بلحا أو طعاما ، ولا الزرع مع الأرض بل تقسم الأرض والأصول ، ويترك الثمر والزرع حتى يحل بيعها فيقتسمان عينهما أو ثمنهما حذرا من طعام وأرض بطعام وأرض .

                                                                                                                قاعدة : إذا اتحد جنس الربا من الطرفين وكان معهما أو مع أحدهما عين أخرى ربوي أم لا ، امتنع البيع لعدم تحقق التماثل بإمكان التوزيع على وجه ينافيه ، والقسم بيع ، فروعي حالة كمال الزرع . قال : ولا يقسم الزرع فدادين ولا مزارعة ولا قتا ولكن كيلا ; وإنما يجوز بيع الزرع مع الأصل بعين أو عرض كان الزرع أقل من ثلث قيمة الأرض أم لا ، فإذا حل بيع ثمر النخل والعنب جاز في القسم كيلا لا خرصا تحقيقا للتماثل إلا أن تختلف حاجتهم فيريد أحدهم الأكل والآخر التجفيف فيجوز الخرص ممن يعرفه ، وعلى كل واحد سقي نخله ; وإن كان ثمرها لغيره إذا كانوا قد اقتسموا الأصل قبل الثمر ; لأن على صاحب الأرض سقيه إذا باع ثمرته ; وإن لم يطلب ثمر النخل والعنب لا يقسم بالخرص بل يجذ ويقسم كيلا تحقيقا للتماثل ، ولا يقسم البقل بالخرص ، ولا فواكه الشجر وإن اختلفت لعدم الانضباط فيها بالخرص .

                                                                                                                [ ص: 216 ] فائدة : : في التنبيهات : القت ، بفتح القاف : الحزم والقبض ، وأصله الجمع ، وكل ما جمعته فقد قتته ، والخرص ، بالفتح ، اسم الفعل والمصدر ، وبالكسر اسم المخروص . وقال : حمل سحنون منعه قسم الزرع والبلح خرصا مطلقا ، وأنكره ابن عبدوس وقال : إنما منعه على التأخير دون الجذ لقوله " يجوز بيعه بالخرص على الجذاذ " . وفي النكت : البقل القائم ، والزرع القائم ، والبلح الصغير ألفاظ الكتاب فيها مختلفة ، وهي سواء ، تنقسم على التفصيل البين . . . . . جذاذ . . . . . . بينهم في قسم الثمرة بالخرص وهي مزهية أو بلح كبير دون غيره . . . . . تحصيلا لمصلحته في تمييز حقه ، وإلا أقدم طالب البقاء ، ولا يقسم بالخرص إلا عند التراضي ، والفرق : أن طالب البقاء في المزهية يقدر عليه بعد . . . . . . البقاء إلى الكمال يفسد القسم ، قاله بعض القرويين ، ولو اقتسما البلح الصغير . . . . . . ثم أكل أحدهما حصته أو بعضها ، وأزهى نصيب الأخرى انتقضت القسمة ، ويرد الأول قيمة ما قبض على الجذ لا على الرجاء والخوف بخلاف من اشترى بلحا على أن يتركه حتى يطيب ، وكان البيع فاسدا ، ثم جذه ، هذا عليه قيمته على الرجاء والخوف ; لأنه على الترك دخل والقاسم دخل على الجذ ; وإن اقتسما البلح الصغير ثم تركاه حتى كبر : ففي الكتاب : إن اقتسماه على تفاضل أو كان إذا كبر تفاضل فسد القسم لأنه بيع طعام بطعام متفاضلا ، ولو اقتسما البلح الصغير وأكل أحدهما حصته وبقي نصيب الآخر حتى صار كبيرا لا ينتقض القسم ; لأن البلح الصغير والكبير متفاضلا جائز اقتسما على تفاضل أم لا ، بخلاف مسألة الكتاب تركاه جميعا حتى صار بلحا كبيرا . فآل الأمر إلى كونه بلحا كبيرا وهو لا يجوز التفاضل فيه ، يفسد القسم إذا اقتسما أولا على التفاضل ، أو كان إذا كبر تفاضل . قال التونسي : عن مالك : تقسم الثمار كلها بالخرص إذا وجد من يعرف ذلك وطاب وحل بيعه واختلفت الحاجة ، ومنع ابن عبدوس قسمة الثمر بالخرص .

                                                                                                                [ ص: 217 ] لتوقع الربا . وقال عبد الملك : أجاز أصحابنا قسم الثمار التي يستعجلها أهلها بالخرص وكره قسمة الثمار الكثيرة لعدم الضرورة ، وأنكر سحنون قسم البلح الكبير خرصا إذا أراد أحدهم بيعه والآخر أكله ، ولم يره اختلاف حاجة لأن الذي يبيع يجذ فقد اجتمعا على الجذ ; لأن تركه يبطل القسم ، وخالف ابن القاسم وأشهب . قال التونسي : يجوز قسم البلح الكبير بالتراضي مع اختلاف الحاجة بخلاف الرطب لأن الرطب يترك حتى يثمر فلا فساد في ذلك ، والبلح لا يقدر من لم يرد الأكل أن يتركه حتى ييبسه فكان ذلك فسادا فلم يلزم من أبى القسم بذلك ، وأجاز التراضي في ذلك وهو طعام بطعام للضرورة ولو كان ذلك تمييز حق لم ينقض القسم بالزهو ، وقد نقض إذا أزهي ; وانظر هل فيه جائحة لو أجيح نصيب أحدهما ؟ نقلها عبد الملك ، ومالك وابن القاسم سلكا بالقسم تارة البيع وتارة التمييز ، فأجازا قسم النخل دون زهوها وفيها ثمرة لم تؤبر ( ولو كان بيعا امتنع لأن كل واحد باع نصفه بنصف صاحبه على أن استثنى ثمرته التي لم تؤبر ) وقال في البلح الكبار : ينتقض قسمه بالإزهاء وكذلك الصغير .

                                                                                                                ولو كان تمييز حق لما انتقض ; لأن كل إنسان أخذ ملكه يفتصل به ، وأجاز قسم البلح الصغير بالتحري لتعذر كيله ، وهو مما أصله : الخرص ، فإذا خرج من حد الخطار جاز ; وإن فضل أحدهما صاحبه بالأمر البين جاز ; لأنه ليس بطعام ، ولا يبقى حتى يصير طعاما . قال ابن يونس : إذا اقتسما الثمرة كما تقدم لا بعد قسم الأصول ، فعلى كل واحد سقي نخله ; وإن كان ثمرها لغيره ، وقال سحنون : السقي على [ ص: 218 ] رب الثمرة لأن القسم تمييز حق لا كالبيع فكان ما طاب لها هو نصيبه ; وإنما كان السقي في بيع الثمرة على البائع لأنه باعها على حياتها من الماء ، ولأنه يسقي نخله ، وأما من قاسم أصل حائطه ( دون شربه ) فالسقي على البائع ; لأن المبتاع لا يسلم له الأصل حتى يجذ البائع ثمرته ، قاله مالك ، وقال المخزومي : على المشتري للأصل ; لأنه يسقي نخله فتشرب ثمرة هذا ، قال ابن حبيب : تقسم الثمار كلها بالخرص إذا بدا صلاحها إذا اختلفت الحاجة إليها . ،

                                                                                                                وإن لم تختلف أو يبست في شجرها فلا تقسم إلا كيلا ، قاله مالك وأصحابه إلا ابن القاسم لم يجز الخرص إلا في النخل والكرم ; وإنما كره مالك قسم ما لا يدخر من الفواكه خرصا في شجره لعدم التقابض في الوقت ، فيجمع هذا اليوم وهذا غدا فيلزم غدا ربا النسأ ، فلو جذاه جميعا قبل التراضي جاز بالتحري في شجره بالتعديل والتفاضل لجواز التفاضل فيه ، ولذلك منع من قسم البقل قبل الجذ خرصا لعدم القبض فيصير طعاما بطعام لا يدا بيد ، فلو جذاه قبل التفرق جاز ، وقاله سحنون لقوله في قسم الزرع الأخضر : وبيع فدان كراث بفدانين ، قال ابن حبيب : إلا البصل والثوم لأنهما يدخران فيمنع فيها التفاضل فلا يقسمان تحريا أخضرين ولا يابسين ، ويقسمان يابسين عددا وكيلا ، قال ابن يونس : ليس قسمه عددا يدخله التفاضل ، والصواب : قسمه وزنا ، قال ابن حبيب : إن اختلفت حاجاتهم إليه وهو أخضر قائم بلغ الانتفاع قسم خرصا كمدخر الثواب . قال اللخمي : يجوز القسم على التعديل في الثمار والتفاضل على وجه المكارمة فيذكر أحدهما خمسة أوسق والآخر عشرة ، كما يأخذ أحدهما من صبرتهما ستين والآخر أربعين إلا أن يكون [ ص: 219 ] فضل الكيل لمكان الزيادة ، وجعل مالك البلح الصغير كالعلف فيجوز متفاضلا ، وجعله ابن القاسم كالبقل ، قال : وأرى اعتبار العدد في ذلك الموضع إن كان العلف والأكل قليلا فهو كالعروض ، أو للأكل غيره نادرا وكلاهما كثير فكالطعام ، وإذا كان كالعلف جازت المقاسمة ، وإن لم تختلف الحاجة أو للطعام فلا ؛ إلا أن يجذا معا ، ويجوز متساويا ومتفاضلا إلا أن تختلف الحاجة فيجذ إحداهما دون الآخر ، والاختلاف في قسم الفواكه بالخرص اختلاف في عادة لا فقه ، فمتى كان قوم لهم عادة بخرصها جاز ، وإلا فلا ، ومنع ابن القاسم قسم البقل إذا اختلفت الحاجة فيه كمنع مالك الخرص فيما يجوز فيه التفاضل كالتفاح ، وأجازه أشهب إذا بدا صلاحه ، وليس مثل الزرع لدخول التفاضل فيه ، ولا يحاط به ، فمنعه ابن قاسم إذا لم يعرف الخرص ، وأجازه أشهب إذا تباين الفضل وخرجا من حد الخطر ، وهو قول ابن قاسم في قسم اللبن يحلب كل واحد غنما ناحية إذا فضل أحدهما الآخر على وجه المعروف ، ومنع سحنون لأنه بيع طعام بطعام ، وليس يدا بيد ، ولو طلباه قبل التفرق جاز ، والأول الصحيح ; لأن المعروف يسقط الربا كالقرض في النقدين إلى أجل إجماعا ، قال مالك : كل ما يحرم فيه التفاضل لا يقسم بالتحري رطبا ولا يابسا حذرا من الربا ، ومنه السمن والعسل والبيض لأن التحري يحيط به ، وكل ما يجوز فيه التفاضل يجوز تحريه في شجره وعلى الأرض ، وقال أشهب : يجوز التحري في كل ما يوزن كالخبز واللحم ; لأن المكيال لا يفقد غالبا ولو بالأكف ، ولا يصح قوله ; لأنه لو باع عشر حفنات بكذا امتنع ، وقسمه جزافا أقل ضررا من الحفنات ، ومتى كانت الثمار غير مأبورة لم يجز القسم بحال ; لأن إطلاقه يدخل الثمار وهي تئول إلى الطعام ، ويمتنع استثناؤها على البقاء بالإبار ; لأن استثناء ما لم يؤبر في البيع لا يجوز ; وإن كانت مأبورة أو بلحا صغيرا أو كبيرا أو زهوا فإطلاق القسم على الجواز لعدم دخولها وبقائها على الشركة ، ويمتنع اشتراط دخولها لأنها تئول إلى الطعام فهي طعام بطعام نسيئة ، ومع التفاضل البلح [ ص: 220 ] الكبير ; فإن استثني أحدهما والآخر بلح صغير أو كبير أو زهو أو أحدهما بلح كبير والأخرى زهو ، فإطلاق القسم على الجواز ؛ والثمار غير داخلة في القسم ; فإن اشترط دخولها في القسم امتنع ; وإن اشترط إحداهما وبقيت الأخرى على الشركة جاز ; وإن كانت إحداهما مأبورة والأخرى غير مأبورة ; لأن إطلاق القسم على الجواز ، وغير المأبورة داخلة في القسم لمن هي في نخله ، والمأبورة مبقاة على الشركة ; وإن استثناء ما لم يؤبر ولم يدخلاها في القسم امتنع ; وإن اشترطت المؤبرة وأدخلاها في القسم امتنع ، هذا كله عند ابن القاسم ، وقيل : يجوز جميع ذلك وهو أحسن إذا لم تبلغ إلى حد تحريم التفاضل كالبلح الكبير والزهو .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية