الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا تقسم الطريق إذا امتنع بعضهم نفيا للضرر ، ويقسم الجدار إن لم يكن فيه ضرر ، وقيل : لا يقسم ، وإن كان لكل واحد عليه جذوع لم يقسم وتقاوماه ، وتأول مالك قوله تعالى : ( مما قل منه أو كثر ) قال : ويقسم البيت الصغير وإن لم يقع لأحدهم ما ينتفع به ، والأرض القليلة والدكان الصغير في السوق ، إن كان أصل العرصة بينهما ، والحمام والماجل وكل شيء عنده ينقسم خلافا لـ ( ش ) و ( ح ) قال ابن القاسم : وإنما لم يقسم الطريق والجدار مع الضرر [ ص: 193 ] لأنه لا كبير عرصة لهما فلا يقسمان إلا بالتراضي أو على غير ضرر ، قال : وأنا أرى ما لا ينقسم إلا بضرر ولا يحصل منه منتفع من دار أو أرض أو غيرهما لا يقسم ويباع فيقسم ثمنه ؛ لقول النبي عليه السلام : ( لا ضرر ولا ضرار ) وكذلك الماجل إلا أن يصير لكل واحد ماجل ينتفع به ، ولا يقسم أصل العيون والآبار قبل شربهما بالقلد . في النكت : قيل في الجدار سترة بينهما لا يقتسمان أعلاه ؛ لأنه قد يقع لأحدهما ما هو قبالة صاحبه فلا ينتفع به ، وإنما يبني كل واحد منهما نصف جميع الحائط . قال صاحب التنبيهات : إنما تكلم في الآبار والعيون على الواحد ، فإن أمكن قسم الجماعة واعتدلت قسمت ، وقاله سحنون ، وتأوله على الكتاب وحمله ابن لبابة على العموم واستدل بمخالفته في الجواب في المواجل ، وحكى عن مالك المنع ، ثم قال : وأما أنا فلا أرى ذلك للضرر إلا أن يكون لكل واحد ماجل ، قال القاضي : وليس بحجة ؛ لأنه إنما تكلم على ماجل واحد ، وإذا كان كبيرا يصير منه مواجل ، والبئر لا تكون منها آبار ، ولا العين عيونا ، وقيل : إنما رأى ذلك مالك في الماجل ؛ لأن لها عرصة ولا كبير عرصة للآبار والعيون من الأرض ، وإذا قال في الحائط ، وقد يكون منع قسم البئر اتباعا للعمل ؛ لأنه لم يسمع ، قال ابن يونس : قال عبد الملك : لا يقسم الجدار إلا عن تراض صدرا كان أو حاملا ، قال مطرف : فإن كان بعضهم ينتفع بسعة سهمه من البيت ويضيف سهم غيره قسم كما قال مالك ، ولا يمنع أحد الانتفاع بملكه لتضرر غيره ، وإن لم ينتفع به أحد للقلة بيع وقسم ثمنه نفيا للضرر ، ومنع عبد الملك إن ضاق على أحدهم نفيا لمطلق الضرر ، وإن انتفع أقلهم نصيبا بوجه من وجوه النفع قسم ، قال [ ص: 194 ] اللخمي : إذا اقتسما وتركا الطريق لا يقسم إلا أن يحصل لكل واحد منهما طريق معتبر لمثل تلك الدار ، وقوله : لا يقسم الجدار إن كان لكل واحد عليه جذوع ليس يبين ؛ لأن الحمل لا يمنع القسم كما لا يمنع قسم العلو السفل ، وحمل العلو على السفل ، قال : وأرى قسمة طائفتين على أن من صارت له طائفة الآخر عليه الحمل ، بأن يأخذ أحدهما الجهة الشرقية والآخر الغربية لا القبلية والشمالية ؛ لئلا يعم الحمل ، وإن أراد يقسم الأعلى أن تكون أرضه شبرين قبل كل واحد شبر ، وحمل الحائط على الشركة ، أو يريد قسمه بعد الهدم فيقسم أرضه فيأخذ كل واحد ما يليه ، ولا يقسم الماجل إلا إذا اتسع بأن يصير لكل واحد ما ينتفع به . قال أشهب : إذا قسمت الدار وترك الماجل لا يقسم ، وإن لم يقسم قسم معها ، يريد : إن صار الماجل في أحد النصيبين ، ولم ير في ذلك ضررا إذا اعتدلت القيمة ، واختلف قول مالك في الحمام ، وعدم القسم أحسن ، ولو رضيا منعهما الإمام لحق الله تعالى في إضاعة المال ، والخلاف في الدار إنما هو إذا كانت ميراثا أو للقنية ، أما للتجارة فلا تقسم اتفاقا لتنقيصه الثمن وهو خلاف ما دخلا عليه . ويختلف في الساحة كالبيت أصلا أو تركت بعد القسم . قال صاحب المقدمات : لم يتابع مالكا على قسم الدار - وإن لم يصر في نصيب كل واحد إلا قدر قدم - إلا ابن كنانة ، وراعى ابن القاسم انتفاع كل واحد بنصيبه للسكن ، ولم يراع نقصان الثمن ، وإنما يراعى ذلك في العروض ، وقيل : لا تقسم إلا أن يدعو إلى ذلك صاحب النصيب القليل ، وقاله ( ش ) و ( ح ) لإسقاطه حقه ، وقيل : يجبر عليه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية