الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 271 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : يقوم بشفعة الصغير أبوه أو وصيه لأنها من باب تنمية المال ; فإن لم يكونا فالأم تنظر له وإلا أخذ للجد بل يرفعه للإمام ، لأنه الناظر لمن لا ناظر له ; فإن عدم الأب والوصي بموضع لا إمام به أخذ إذا بلغ لأنها حقه ، ولم يسقطها ولو سلمها الأب أو الوصي أو السلطان امتنع أخذه إذا بلغ ، لنفوذ تصرفهم عليه ، ولو أهمل الأب حتى بلغ وقد مضى لذلك عشر سنين فلا شفعة لأن إهمال أبيه كإهماله ، قال التونسي : للمأذون له الشفعة ، لأنها من ضبط المال ; فإن ترك سيده قبل أخذه أو أخذ قبل تركه مضى ، لأن السيد الأصل ; فإن سبق العبد بالأخذ أو الترك مضى لأنه مقتضى الإذن ; فإن أحاط الدين بماله فلا أخذ لسيده ولا ترك ، لأن ذلك قد يضر بغرمائه ، وجعل ترك السيد شفعة العبد المديان لا يلزم العبد بخلاف تحجيره عليه التجارة ، لأن الشفعة كالأمر الواجب له ، ليس للسيد إبطاله ، وإذا اطلع السيد على غبن عبده في الإسلام أو الأخذ ، أو أن ذلك محاباة للمشتري لم يجز ذلك ، ولا يعتبر سبق السيد المكاتب لأنه لا يقدر على انتزاع ماله ، وله نقض الأخذ والإسلام لأنه قد يفضي إلى عجزه ، قال أشهب : إلا أن يتبين من المكاتب محاباة بالهواء في المسلم إليه أو المأخوذ منه بحطيطة ، ولو أخذ السيد فسلم المكاتب ثم عجز فلا أخذ للسيد ، لأن المسلم كان نافذ التصرف ، والمعتق بعضه لا يأخذ إلا بإجماع منه وممن له فيه رق لاجتماع السببين فيه ; فإن أسلمها أحدهما ثم عتق بقيته لا أخذ له ، لأن مسلمها نافذ التصرف عليه حين تصرف ، ويحسب للصغير بعد بلوغه ورشده مدة سنة عند أشهب لأنه يقطعها بها ، وكذلك الغائب إذا قدم ، علم في غيبته بها أم لا ، وكذلك المريض ، وقاله عبد الملك لهم بعد القدوم والكبر والصحة والتأخير إلى ما تنقطع به للحاضر ، ولم يقل بأن السنة تقطع ، وقال أصبغ : المريض كالصحيح إلا أن يشهد في مرضه قبل مضي وقت الشفعة أنه على شفعته [ ص: 272 ] وأنه إنما ترك التوكيل عجزا ، وإذا لم يأخذ الوصي عند مدة انقطاعها بطلت ، وسواء رأى الأخذ خطأ أو الترك ، لأنها قد تكون مربحة وغيرها أكثر ربحا منها ، ولو رشد قبل مدة الأخذ حسبت مدة الأخذ من يوم وجبت لأنه يبني على ما كان ، وإن اختلف الوصيان نظر الإمام ، لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر ; فإن أخذ أحدهما وسلم الآخر ولم ينظر الإمام حتى رشد وقد مضى مدة الشفعة واستضر بذلك المشتري بطلت ، أو ترك الصبي الذي يأخذ خير بعد رشده في الأخذ والإسلام ، لأن فعل أحد الوصيين لا يلزمه ، وإن رفعت الأم بعد طول وهو لم يرشد فكما إذا رشد ، ولم يجعل سحنون الأخذ والشقص في يد الآخذ بالشفعة من الوصيين رضا منه ، وليستعين القاضي بأهل المشورة ، ولا يمطل المشتري إلى أن يولي الصبي رجلا إلا أن يكون على ثقة من وجود ذلك عاجلا نحو ثلاثة أيام ، وليس لغرماء المديون أخذ شفعته ليأخذوا منها ديونهم ، بل يخير الورثة فيها كموروثهم ; فإن أخذوا بيعت في الدين ; فإن أخذوا بمال الميت فللغرماء الثمن والفضل ; فإن أخذوا لهم بيع عليهم ; فإن كانت إن بيعت لم يحصل إلا ما أخرجوه من أموالهم لم يبع لعدم الفائدة ، ولا يلزم المفلس الأخذ ولا لغرمائه أخذ ، لأنه لا يلزمه الاكتساب ، قال أشهب : إني أخاف أن لا تكون له شفعة إن كان إنما يأخذ ليباع للغرماء ، والشفعة إنما شرعت لينتفع بها الآخذ لنفي الضرر ، فلا يضر المشتري للغير ، ولو قال ذلك قائل ما رددته ، وأما المريض وإن أخذ لغيره فلأنهم ورثته ، ولهم الأخذ بعد موته ، قال ابن يونس : قال محمد : الشفعة للمولى عليه والصغير أبدا حتى يقيما بعد زوال الولاية سنة لعدم الأهلية قبل ذلك ، وفي المدونة : قال مالك : لا يأخذ الوصي للحمل حتى يستهل لعدم توريثه قبل ذلك . وقال اللخمي : إذا رشد الصبي لم يكن له أخذ ما ترك وليه ولا رد ما أخذ إلا أن يثبت أن الأخذ ليس حسن نظر أو أن الترك محاباة ، لأن الله تعالى لم يول على قربان [ ص: 273 ] ماله إلا بالتي هي أحسن ، فهو معزول عن غير ذلك ، وعن مالك : إذا علم أن تركه سوء نظر لا شفعة . كما لو ترك شراء ما فيه غبطة ، وإذا حكم برشده فله تمام السنة من يوم وجبت ; فإن لم يكن له ناظر ولا وصي استوفيت السنة عند محمد من يوم ولي أمره ، وعند ابن حبيب : من يوم البلوغ نظرا إلى التمكن من التصرف ، أو يكفي حصول سببه .

                                                                                                                والبكر من يوم الدخول ، والغائب من يوم القدوم ، والمريض من يوم الصحة ; فإن بلغ سفيها وقام بعد مدة بعد الرشد فلا شفعة له إلا أن يكون الأخذ قبل ذلك حسن نظر ، وأما المريض ; فإن كان ينظر في أمر دنياه بالبيع والشراء فهو كالصحيح ، وإن أعرض عن ذلك ثم قال : كنت تركت له قبل قوله ، وليس من يكون ورثته ولدا ويعلم منه الاجتهاد كمن يرثه عصبة فلا يصدق إن كانوا عصبة ، وقال محمد : إن قربت غيبة الغائب ولا مؤنة عليه في الشخوص فهو كالحاضر ، وقال غيره : ليس علم المرأة الضعيف ومن تعسر عليه الحركة كغيره ، وإنما يجتهد في ذلك الإمام وليس المجتهد في رباعه وتقاضي أكريته كالمتراخي في أموره ، والغيبة البعيدة أربعة أقسام : تغيب الشفيع وحده أو المشتري أو كلاهما واحدا أو مفترقين ; فإن غاب الشفيع فهو عليها بعد القدوم ، وإن كان حاضرا ثم غاب وعاد قبل المدة أو منعه مانع حتى مضت المدة فهو عليها بعد خلفه ، وإن كان السفر بعيدا لا يرجع حتى تمضي السنة فقطعه قاطع عن التمادي فلا شفعة له لرضاه أولا بذلك ، قال محمد : وإن ترك الغائب وكيلا فأكرى وهدم وبنى بحضرة الشفيع فهو على شفعته لاستثقال الناس التردد للقضاة ، قال : وهذا يحسن من قوله فيمن يعلم منه ثقل ذلك عليه ، أما من يعلم منه الدخول للقاضي فتبطل شفعته إلا أن يكون في الوكالة تسليم الشفعة والإشهاد ببينة عادلة فلا شفعة ، وإن كانا مجتمعين في بلد وغائبين عن موضع الشقص : فلا شفعة بعد المدة ، لأنه لا عبرة بغيبة الدار ؛ لأنه يأخذ على شراء المشتري ، وإن قال : أخروني حتى أرى ؛ لم يؤخر إلا [ ص: 274 ] أن يكون الشقص على ساعة من نهار ، قال صاحب النوادر : قال مالك : الغائب على شفعته إلا أن يقوم بعد طول يجهل في مثله أصل البيع ويموت الشهود ، وأما مع قرب الأمد مما يرى أن البائع أخفى الثمن ليقطع الشفعة فيأخذ على ما يرى من ثمنها يوم البيع ، وإن مات الغائب في غيبته فللورثة الأخذ ، وإن كان المشتري والشفيع غائبين كل واحد بموضع ، فقدم الشفيع على المبتاع وأقام معه ما تنقطع فيه الشفعة لا يبطله ، بطلت الشفعة لتفريطه ، قال أشهب : ولا تسليم لأحد من أقارب الصبي إلا أب أو وصي أو من استخلفه السلطان ، وإذا اختلف الوصيان ولم يرفع للإمام حتى تمت السنة ; فإن كان ذلك بيد المبتاع زالت الشفعة ، أو بيد الآخر خير الصبي بعد البلوغ في الأخذ ; فإن لم يبلغ نظر له السلطان أيضا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : له التوكيل في الأخذ غبت أم حضرت قياسا على البيع ، ولا يلزمك تسليم الوكيل إلا أن تفوض له ذلك ، ولو أقر الوكيل أنك سلمت فهو كشاهد يحلف معه المبتاع ; فإن نكل حلفت وأخذت ، ولو أقام بينة أن فلانا وكله الغائب في الأخذ مكن من ذلك كالبيع .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية