الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا أراد أحدهما جمع الدور أو الحوائط أو الأقرحة في القسم [ ص: 209 ] ليجتمع له حظه في موضع وأبى الآخران استوت الرغبات في ذلك وقربت مواضعها : جمعت وإلا فلا ، نفيا للغرر ; فإن اتفقت الرغبات في بعضها جمع المتفق في القسم ويقسم غيره كل مباين على حدة ; وإنذاران بناحيتين من المصر : إن استوت الرغبات فيهما جمعتا ; وإن اختلفت الرغبات وبينهما يوم لم يجمعا نفيا للغرر ، وإذا أراد الورثة قسم دار كانوا يسكنونها ، وللميت دور بالبلد مستوية الرغبات في غير موضع هذه الدار قسمت هذه وحدها ، وجمعت تلك في القسم ، وتجمع القرى والأرضون والحوائط المتقاربة الموضع والرغبات ؛ والميل قريب ; وإن تباعدت نحو اليوم لم تجمع .

                                                                                                                فائدة : قال صاحب التنبيهات : الأقرحة الفدادين ، واحدها قراح بالفتح ، كزمان وأزمنة ، وذلك في الكتاب : واحدها قريح ، كقفيز وأقفزة وبعير وأبعرة ، قال الخليل : القراح من الأرض : كل قطعة على حيالها من منابت النخل وغيره . قال ابن دريد : ما خلص طينة من السبخ وغيره ، وأصله : الخالص من كل شيء . قلت : ومنه : الماء القراح ؛ أي لم يخالطه شيء ، واللفظة بالقاف والحاء المهملة .

                                                                                                                قال ابن يونس : قال ابن حبيب : إذا ترك دورا غير دور السكنى في القرب قسمت تلك وحدها ، وعمل في غيرها ما ينبغي في القسم . وقال ابن أبي زمنين : ظاهر الكتاب : إن دار السكنى ليس له معها غيرها في ربض واحد ، ولو كانت لجمعت ، ولا كلام للورثة ، بخلاف قول ابن حبيب . قال أشهب : تجمع الداران في نمط واحد ، وإن كان بعضهما أعمر ، كما تجمع الأرضون وبعضها أكرم ، قال سحنون : ليست الدور كالأرضين ، فقد تكون الدار في نمط واحد والرغبة مختلفة ، وأما الأرضون في نمط فتجمع كالحوائط فيها ألوان الثمر . وقال أشهب : إن كانت الأرض متقاربة وبعضها أكرم جمعت للقرب ; وإن طلب بعضهم جمع نصيبه في موضع ، وقال غيره : يقسم في كل أرض جعل نصيب مريدي التفرقة ومريدي الجمع بينهما [ ص: 210 ] ويضرب بالسهام على أن الأرض مجموعة ; فإن خرج سهم مريدي التفرقة جمع إليهم حقوقهم فصار كأنه حق رجل واحد ، ثم تقسم كل أرض مما طاب لهم بينهم على حدتها ، وجمع لكل واحد من مريدي الجمع حقه حيث خرج ; وإن كانت الأرض متباعدة لا يجمع في القسم جعل نصيب مريدي الجمع سهما واحدا ، ولكل واحد من مريدي التفرقة سهم ثم يضرب بالسهام بينهم في كل أرض على حدتها ( فإن خرج سهم مريدي الجمع جمع لهم حقوقهم كأنهم رجل واحد في تلك الأرض على حدتها ) . وأعطي مريدو التفرقة كل واحد نصيبه حيث طاب له ، ثم تعمل كل أرض كذلك ، ثم يرجع إلى مريدي الجمع فيجمع لكل واحد منهم مما طاب لهم من أنصابهم من تلك الأرض المفترقة تعدل بينهم بالقيمة .

                                                                                                                قال اللخمي : إن كانت الدور متقاربة جمعت كانت في وسط البلد أو طرفه ; فإن كانت إحداهما في وسط البلد والأخرى في طرفه ، أو هما في طرفيه لم يجمعا ، وإذا اختلف الورثة في دار سكنى الميت هل تجمع مع غيرها بالقرعة ؟ إن كان الجميع في محلة واحدة جمعت وإلا فلا ، وقسمت مفترقة إن حملها القسم وإلا تبايعوها إلا أن يكون الورثة عصبة ولم يتقدم لهم سكنى في ذلك الموضع ولم يكن له بسكن الميت شرف : فتلك الدور وغيرها سواء ، والمعتبر أبدا في الدور وجهان : موضعها وصفتها .

                                                                                                                ; فإن كان ( فيها الجديد والرث وهي ذات عدد قسم الجديد على حدة ، والرث على حدة كانت جديدة وقديمة جمعتا في القرعة للضرورة ) بخلاف الأرض الواحدة بعضها كريم دون غيره تقسم قسما واحدا كما قال في الكتاب : في الوصايا إذا حصل لأحدهما قدر قفيز وللآخر عشرة أقفزة لكرم الأرض ودناءتها قسمت بالقرعة ، وكذلك الدور ، والاختلاف اليسير بين الدور كقيمة أحدهما مائة والأخرى تسعين لا تمتنع القرعة على أن من صارت له دار المائة أعطي خمسة لأنه لا بد منه في القسم لتعذر التساوي مطلقا غالبا ، وتجمع الحوانيت في سوق أو سوقين متقاربي الرغبات وإلا فلا نفيا لمزيد الغرر [ ص: 211 ] في القرعة ولا تجمع الدور إلى الحوانيت ولا إلى الفنادق ولا إلى الحمامات ، وتجمع الفنادق والحمام إن قال أهل العرف باكتساب الرباع : هي متقاربة ; لأنها مستقلات كلها وإلا فلا ، ولا تجمع الحوانيت إلى الفنادق لقوة التباين ، وقد تستحق الحوانيت مع ديار الغلة إذا قيل : التفاوت يسير . قال التونسي : قال سحنون : إذا كانت إحدى الدارين قاعة لم يجمعا في القسم ، قاله سحنون ; لأن عدم البناء في أحدهما يصيرها أرضا ، والدور والأرضون لا تجمع ، وأما السفل مع العلو فقد يقال : إن سقف العلو كالقاعة إذ الغرض بالقاعة الاستقرار ، وفوات يسير منافع القاعة لا يمنع الجمع ، ولكن كثرة البناء في إحدى الدارين يزيد في ثمنها على القليلة البناء فيصير عوض كثرة البناء قاعة من الأخرى ، وكذلك الجديدة مع الرثة عوض عن الجدة قاعة ; فإن قيل : جوز هذا لأن كل واحد منهما نابه قاعة فأشبه الحائط فيه أنواع مختلفة لا يقدر على قسم كل نوع منها ; فإنه يجمع لأن كل واحد يحصل له بعض تلك الأصناف ، وإن قل ، ولو كانت نخلة وزيتونة امتنع ، قلنا : الفرق : أن العلو حصل له ما يشبه القاعة ، وصاحب النخلة لم يحصل له شبه الزيتونة .

                                                                                                                قال ابن القاسم : لا تقسم ذات العين مع النضح ولا البعل مع السقي ; وإن تقاربت الحوائط إلا بالتراضي نفيا للغرر في القرعة ; لأن أصلها غرر اغتفر لتطييب القلوب فلا يتعدى المتماثلات ، وروى ابن وهب : يقسم البعل مع العيون إذا استوت في الفضل إذ هو المقصود ، وروى ابن القاسم : المنع لتباين نوع المنفعة . قال اللخمي : قال محمد بن مسلمة : يقسم البعل مع العيون دون البعل مع النضح إلا أن يرضى أهله ، ولا وجه له ، بل البعل مع النضح أقرب ، وإذا كانت الأراضي متقاربة مختلفة لم يجمعها ابن القاسم في القسم لتفاوتها ، وكذلك إن تباعدت مواضعها كاليوم وتقاربت صفاتها لبعد المواضع ، وجمعها أشهب لمن طلب حصته في مكان إذا كانت في مكان واحد ونمط واحد وبعضها أكرم أو [ ص: 212 ] بعض الدور أعمر إلا أن تكثر حصته من دار أو أرض فتجمع له في دار أو أرض أخرى ، ثم يقسم الذين أرادوا التفرقة على ما تراضوا عليه ; فإن تباعدت الدور : قسم مريدو التفرقة حظهم من كل دار أو أرض ، ثم يقسم مريدو الجمع إن شاءوا ، ومراده : إذا كانت متقاربة يبدأ بالقسم لمريدي الجمع ; لأن ذلك الحكم ؛ وتسقط مقالة الآخرين ; فإن كان مريدو الجمع واحدا كتبت أسماء الدار وضبطت فأيها خرج أولا فهو له ، ثم يقسم للآخرين كل دار أو أرض على سهامهم بالقرعة ، فإذا أخذوا ذلك بقي بقية تلك الدار والأرض على ما كانت الشركة عليه قبل أن يأخذ هذا نصيبه ، ثم يجمع الباقون بالتراضي لأن من أصله أن يجوز في مثل هذا التراضي بالقرعة ، وأخذ سحنون بقول أشهب في الأرض دون الدور لأن الديار في لفظ واحد . وهي مختلفة النفاق ، وقال الأئمة : لا تقسم دار مع دار ، وإن تقاربت كما تكون الشفعة فيها دون غيرها ، تقسم وحدها ، ولأن في الجمع زيادة غرر في القرعة ; لأن كل واحد يزول ملكه عن جملة إحدى الدارين بغير رضاه .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن الشركة إذا عمت فيهما والبيع ، عمت الشفعة فنقيس القسم على الشفعة فينقلب الدليل ، ولأن استقلال كل واحد بإحداها أتم في الانتفاع من الانتفاع ببعض داره .

                                                                                                                والجواب عن الثاني : المعاوضة والنقص بالاختلاف في الدار الواحدة ، بل هاهنا أولى ; لأنا إنما نجمع المتقارب وفي هذاك نجمع المختلف جدا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية