الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 169 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : يجوز قبول المسلم وصية الذمي إذا لم يكن في تركته خمر أو خنزير وأمن من إلزامه الجزية .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : ليس لأحد الوصيين بيع ولا شراء ولا نكاح ولا غير ذلك دون صاحبه إلا أن يوكله ؛ لأن الموصي لم يرض بنظر أحدهما . فإن اختلفا نظر السلطان ، ولا يقسم المال بينهما ؛ لأنه خلاف نظر الموصي ، ولكن عند أعدلهما فإن استويا في العدالة فعند أتقاهما ، ولو اقتسما الصبيان فلا يأخذ كل واحد حصة صبيانه ولا يخاصم أحدهما غريما إلا مع صاحبه ، فإن ادعى أحد على الميت وأحدهما حاضر خاصمه ، ويقضى له ، والغائب على حجته للميت إذا قدم . قال ابن يونس : قال عبد الملك : إذا اقتسما الوصية والمال ضمناه لتعديهما فإن هلك ما بيد أحدهما ضمنه صاحبه حين أسلمه إليه لتعديه . وقال أشهب : لا يضمناه ؛ لأن الموصي على إنه لا بد أن يليه أحدهما ، قال اللخمي : إذا تصرف أحدهما وأراد الآخر رد فعله رفعه للسلطان . فإن رآه صوابا أمضاه وإلا فلا . فإن فات المشتري بالمبيع فعلى البائع الأقل من الثمن أو القيمة ، وإن اشترى وفات البائع بالثمن فالسلعة له ويغرم الثمن ، قال أشهب : إلا في الشيء اليسير التافه الذي لا بد لليتيم منه مثل أن يبعثه أحدهما يشتري للآخر طعاما وكسوة لليتيم ، وما يضر به تأخيره ، وعن مالك إذا اختلفوا في المال طبع عليه وجعل على يد غيرهم ؛ لأنه قد يريد أحدهما لعدالته والآخر لكفايته والآخر لرأيه ، وقال ابن زياد : إن تشاحوا اقتسموه [ ص: 170 ] لأنهم أولى من الأجنبي ، وإن مات أحدهما من غير وصية لم يكن للحي التصرف وحده ، وينظر السلطان إما لغيره أو يشارك معه غيره ، فإن مات عن وصية وجعل معه لغيره النظر للحي وحده ، ورضي الحي بذلك جاز ، وكذلك إن أقام آخر معه ووافقه عليه الحي جاز من غير مؤامرة حاكم ، وإن خالفه رفع للسلطان فيثبته معه ، وإن كره أو يعزله ويقيم غيره أو يقره وحده إن رضي الحي ؛ لأنه يقول : لم ألتزم النظر وحدي ، وكذلك إن مرض أحدهما أو سافر لم يلزم الآخر النظر وحده ، ويحرم اجتماع رأيهما على نظر هذا وحده ، أو على آخر يكون مع المقيم أو الصحيح ، فإن رأى ذلك المسافر وحده أو المريض ، وخالفه الآخر نظر السلطان ، وكذلك إن لم ينظر المسافر أو المريض في شيء من ذلك فعلى الآخر الرفع إلى السلطان ، وفي الجواهر : إذا أوصى لرجلين نزل الإطلاق على التعاون إلا إذا صرح بالاستقلال ، وإذا لم يثبت الاستقلال فمات أحدهما استقل الآخر ، إلا أن يخشى عجزه فيقام معه غيره ، وكذلك إذا لم يكن ظاهر العدالة استظهر معه بغيره ، وإذا أوصيا جميعا عند الموت إليهما صح ، ومهما اختلفا في التصرف أو حط المال تولى الحاكم التنازع فيه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا يبيع الوصي عقار اليتامى ولا العبد الذي يحسن القيام بهم إلا أن يكون لبيع العقار وجه نحو الغبطة في الثمن أو لا كفاية في غلته أو حاجة للنفقة ، ولا يشتري لنفسه من تركة الميت ، ولا يوصي في ذلك للتهمة في المحاباة ، فإن فعل تعقبه الإمام ، وأرخص مالك في حمارين من حمر الأعراب قيمتهما ثلاثة دنانير اجتهد فيها ، له أخذهما بالعطاء لقلة الثمن ، قال صاحب التنبيهات : قوله : إذا [ ص: 171 ] اشترى لنفسه نظر السلطان ، ظاهره : ينظر الآن فإن لم يكن فيه فضل نظر يوم البيع بالقيمة والسداد ، وقالعبد الملك : ينظر فيه يوم الشراء ، قال ابن يونس : لا يباع الربع إلا في ثلاثة أوجه : دين على الميت ، أو حاجة لهم ، أو خوف الخراب ؛ لأن العقار مأمون ينتفع به على وجه الأبد فتبديله بالنقد مفسدة ، وقال بعض أصحابنا : للأب بيع عقار ابنه الصغير بخلاف الوصي لمزيد الشفقة كما يزوج الصغير دون غيره ، ولا يهب الوصي ربع الصبي للثواب ؛ لأنه بيع ؛ ولأنه لو فات عند الموهوب لم تكن عليه إلا القيمة ، وللأب هبة مال ولده للثواب لما تقدم ، قال ابن يونس : الوصي العدل كالأب يجوز له ما يجوز للأب ؛ لأنه خليفته ، ولا يبيع الأب العقار إلا على وجه نظر . قال ابن بشير : لا يوكل الحاكم من يبيع مال اليتيم إلا بعد ثبوت سبعة شروط : يتمه ، وأنه ناظر ، وحاجته ، وأنها لا تندفع إلا بالبيع ، وأنه ملك اليتيم لم يخرج عن يده ، وأن المبيع أحق ما يباع عليه ، وحصول السداد في الثمن . وليس للوصي بيع عقار اليتيم إلا لأحد ستة أوجه : الحاجة ، والغبطة في الثمن الكثير ، أو بيعه لمن يعود عليه بنفع ، أو له شقص في دار لا تحمل القسمة فدعاه شركاؤه إلى البيع أو دار واهية ، ولا يكون له ما يقوم به أو له دار بين أهل الذمة ، قال اللخمي : ينفق الوصي بحسب كثرة المال وقلته ، ولا يضيق على من ماله كثير بل نفقة مثله وكسوته ، ويوسع عليه في الأعياد ، ويضحي عنه من ماله إلا أن يضر ذلك بماله ، وينفق عليه من ختانه وعرسه ، ولا حرج على من دعي فأكل ؛ لأن هذه الأمور تصرف الرشاد والحاجة داعية إليها عادة وشرعا ويضمن ما أنفق في ذلك وغيره من الألفاظ ، ويجوز أن يدفع له من النفقة نحو الشهر فإن خيف منه الإتلاف فيوم بيوم ، ويجوز أن يتجر له ، وليس عليه ذلك لقوله تعالى : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) مفهومه : أن ما ليس بأحسن لا يجوز وما هو أحسن يجوز ، وله إعطاء ماله قراضا ؛ لأنه من سداد العقلاء ، وأن [ ص: 172 ] يسلم له ويداين ، ولا يسلف ماله ؛ لأنه معروف لا تنمية فيه إلا أن يتجر له فيسلف اليسير مما يحتاج إليه مع الناس ، وله السلف إذا رأى ذلك نظرا لتغير السوق فيما يباع له أو نحو ذلك . وتكون المداينة معلقة بعين ذلك المال ، قال ابن يونس : قال مالك : ويحج به قبل البلوغ ؛ لأنه تحصيل أجور مطلوبة للعقلاء ، وله إحجاجهم بعد حجة الإسلام بعد بلوغهم ، ويزكى مال اليتيم ويخرج عنه وعن عبده زكاة الفطر ، ويضحى عنه ، قال أبو محمد : وهذا إذا أمن أن يتعقب بأمر من اختلاف الناس ، وفي الجواهر : له إبضاع مال اليتيم برا وبحرا ، ومنع أشهب أن يكون هو عامل قياسا على بيعه من نفسه بجامع التهمة ، وأجازه غيره بما يشبه قراض مثله كشرائه له وكل ما فعله على وجه النظر جاز ، أو على غير وجه النظر لا يجوز ، وينبغي أن يشتري مما تحت يده شيئا للتهمة . إلا أن يكون البيع في ذلك بيع السلطان في ملك الناس ، وقال ابن عبد الحكم : لا يشتري ويدس من يشتري إذا لم يعلم أنه من قبله ، ومنعه ابن القاسم في الكتاب إلا بإذن الإمام ، ولا يقسم على الكبار إذا كانوا أغنياء حتى يأتي السلطان لاحتمال التلف . وأجازه أشهب في غيبتهم ، ورده سحنون ، قال ابن القاسم : ولا ينبغي أن يقسم على الأطفال ، ولكن يأتي السلطان فيقسم عليهم ، فإن لم يأته وفعل جاز إذا عدل ، وإذا قضى بعض الغرماء من التركة وبقي ما يفي ببقية الدين جاز ، فإن تلف باقي المال فلا شيء لباقي الغرماء عليه ولا على الذين أخذوه ، فإن قضى الغرماء جميع المال ثم أتى غريم وكان عالما به أو كان الميت موصوفا بالدين ضمن ما كان يحصل له في المحاصة لتفريطه . ويرجع على الذين اقتسموا ، وإذا لم يكن عالما ولا الميت موصوفا بالدين فلا شيء عليه ، ومتى دفع الدين بغير إشهاد ضمن ، فإن شهد وطال الزمن [ ص: 173 ] حتى مات الشهود فلا شيء عليه .

                                                                                                                نظائر : قال العبدي : يعتبر اليسير في نيف وعشرين مسألة : هبة الوصي من مال اليتيم إذا كان نظرا ، والعبد من ماله ، والغرر في البيع ، وفي العمل في الصلاة ، والنجاسة تقع في الإناء على الخلاف ، وفي الطعام ، وفي الماء اليسير ولم يتغير ، وفي نصاب الزكاة لا يمنع وجوبها ، وفي الضحك في الصلاة ونقصان سببها ، وفي المرض لا يمنع التصرف ، وفي العيب لا يرد به ، وكذلك إن حدث عند المشتري لا يرده إذا رد ، وإذا زاده الوكيل على ما أقر به لزم الأمر ، وإذا زاده أحد الشركاء على صاحبه لا تفيد الشركة سوى الأموال والأعمال ، وإذا كان التفاوت بين السكتين يسيرا لا تمنع الشركة ، وينفذ شراء السفيه اليسير لنفسه ، ويقرأ الجنب اليسير ويكتب يسير القرآن إلى العدو ويقرأ المصلي كتابا في الصلاة ليس قرآنا إذا لم ينطق به ، وكذلك إنصاته للمخبر في الصلاة وفي بدل الناقض بالوازن ، وفيما إذا باع سلعة بدينار إلا درهمين إلى أجل ، وفي الصرف في المتجر ووصي الأم يصح فيه دون الكثير ، ويغتفر عند انفصال الشريكين إذا بقي ثوب على أحدهما يسير القيمة ، وكذلك عامل القراض ، والزوج تجب عليه الكسوة إذا كان بقي على المرأة يسير الثمن ، ويشترط على المغارس العمل اليسير دون الكثير ، وكذلك المساقي وعامل القراض على رب المال ، وفي الأخذ من طريق المسلمين إذا لم يضر ، ويترك للمفلس من ماله نحو نفقة الشهر .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في البيان : قال ابن وهب : يكسر الوصي الشطرنج ويبيعها حطبا إن كان السلطان عالما وإن خاف شاوره .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية