فرع
قال : قال شيوخنا : الموصى به بعد الموت موقوف إن قبلها الموصى له تبينا دخولها في ملكه بالموت أو ردها ، تبينا أنها لم تزل على ملك الموصى ، ومن أصحابنا من قال : لم تزل على ملك الميت ، وقال ( ح ) : تدخل بالموت في ملك الورثة ، فإن قيل : لم أفسخ ملك الورثة وتدخل في ملكه من يوم القبول . الطرطوشي
قال صاحب المقدمات قيل : تجب بموت الموصي قبل القبول بعد الموت ، واختلف على هذا القول إذا مات الموصى له بعد الموت قبل القبول : قال مالك في المدونة : لورثته القبول ، وقيل : ليس لهم وتبطل وترجع ميراثا قاله الأبهري ، وقيل : تجب بنفس القول دون قبول ، فعلى هذا لو كانت وجبت للورثة ، وليس لهم ردها إلا على وجه الهبة لورثة الموصي إن قبلوها ، وقال ( ش ) : يملكها بنفس الموت . لنا : أنه عقد فيه إيجاب وقبول فلا يملك قبل القبول كالبيع ؛ ولأنه على ملك الميت إلى الموت ، والموت يمنع الملك ، وملك الوارث إنما أثبته الله تعالى فيما عدا الوصية فيكون موقوفا ، ولا عجب في اقتضاء القبول أثرا قبله ، كما لو قال : إن اخترتني فأنت طالق قبله بشهر فاختارت ، طلقت قبل ذلك بشهر ، ولو مات الموصي وارتد وارثه ولم يقبل الموصى له الوصية رجعت للمرتد ، فلو كان إنما يملك بالرد لم يملك هذا لردته ، فلما ملك هاهنا علم أن ملكه من يوم الموت ، [ ص: 153 ] وقد سلم الحنفية هذه الصورة أو نقول : مالك يشترط فيه الموت ويتوقف على شرط بعد الموت فليستند إلى وقت الموت كالميراث ، فإن التركة إذا كان فيها دين لا يحكم فيها بالملك للورثة عندهم ، فإذا أدى الغرم استند الملك إلى وقت الموت ، فكذلك إذا أوصى بعبد فلم يقبله الموصى له ، ولا يلزم إذا أوصى أن يباع منه ملكه بعد الموت ؛ لأن التمليك بالعقد لا يتوقف على الموت ولا يفرق بأن الميراث قهري والوصية تفتقر للقبول كالبيع والهبة ؛ لأنا نجيب بأن ملك البائع والواهب ثابت إلى قبل القبول ، وملك الميت زائل بالموت وليست بالوصية كالعقود ؛ لأن تأخير القبول عن الإيجاب يجوز فيها عندنا بنحو الشهرين بخلاف غيرها . احتج ( ش ) على دخولها بالموت من غير قبول بالقياس على الميراث ، بطريق الأولى ؛ لأن الثلث الموصى به مقدم على الورثة ؛ ولأن بقاءها على ملك الميت متعذر ؛ لأنه جماد على ملك الورثة ؛ لأن الوصية مقدمة عليهم فتعين الموصى له ، أو بالقياس على الوصية للفقراء والوقف .
والجواب عن الأول : أن فله اختيار فيها كالبيع والهبة ، والميراث قهري فالشبه بالبيع أقوى . الوصية تبطل بالرد
والجواب عن الثاني : منع الحصر أن يكون موقوفا ليس على ملك أحد .
والجواب عن الثالث : الفرق قبول المحل لصدور القبول بخلاف الفقراء والوقف على المسجد .
[ ص: 154 ] فرع
قال ابن يونس : تجوز ، ويمتنع بأكثر إلا أن يجيزوه ، وإقراره له بالدين جائز إن ورثه ولد أو ولد ولد ، بخلاف الأبوين والزوجة والعصبة لقوة التهمة حينئذ ، وقال الوصية للصديق الملاطف بالثلث : لا تنفذ في الثلث ولا غيره ؛ لأنه لم يجعله وصية فتخرج من الثلث ، والتهمة تمنع كونه غير وصية ، وإن كان عليه دين يغترق ماله بطل إقراره للملاطف والوصية له والكفالة عنه ، قال سحنون ابن القاسم : لقوة الدين وتقديمه على الإرث ، وإن أقر لفلان عنده مائة دينار والمقر يرثه ولده كانت من رأس المال لعدم التهمة لفرط الشفقة على الولد أو كلالة بطل إقراره ولو صدقه فلان ، أو ورثه جاز إقراره ، أو كذبوه بطل إقراره لقوة التهمة بالتكذيب .
قال شارح الجلاب : تجوز الوصية للملاطف بشرطين : عدم الدين لأجنبي ، وأن يرثه بنوه الذكور أو الذكور والإناث ، فمتى فقد أحدهما بطلت الوصية للتهمة ، وإذا ورثه إناث أو إناث وعصبة أو أبوه اختلف الجواب والسقوط . أبطل القاسم الإقرار إن ورثه أبواه أو العصبة ، واختلف إذا بطل مع العصبة : هل يجوز إذا حمل ذلك الثلث ؛ لأنه لو شاء جعله وصية ، أو يرد ؛ لأنه لم يرد به الثلث ؟ وحيث أبطلنا الإقرار إن صح صحة بينة ثم مات ثبت الإقرار ؛ لأنه لم يخرجه مخرج الوصية وإذا صح انتقل إلى رأس المال . قال : الإقرار في مرض الموت للوارث بالدين يصح إن لم يتهم وإلا فلا ، كما لو ورثه ابنه وابن عم فأقر له صح أولها فلا للتهمة في الإزواء عنه . وقال ( ح ) : يمتنع إقراره في الموضعين ولا يصح ، وعند ( ش ) قولان : يصح في الموضعين ، يبطل فيهما نظرا إلى أن المرض هل يؤثر في الإقرار ويجعله كالإنشاء أم هو كحال الصحة ؟ ونحن نعتبر مع ذلك قوة التهمة قياسا على الشهادة ؛ ولأن المرض حالة [ ص: 155 ] تمنع التبرع فتؤثر في الإقرار كالجنون والصبا ، أو نقول : موجب المال لوارث لا يعلم إلا من جهته مع التهمة فيبطل كالهبة ، وإن كان هبة الزائد على الثلث لا يجوز للأجنبي ويصح الإقرار به ؛ فذلك لقوة التهمة هاهنا بخلاف الأجنبي ، احتجوا بقوله تعالى : ( الطرطوشي يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ) وشهادة الإنسان على نفسه : إقراره ، وإذا وجب عليه الاعتراف وجب العمل به علينا قياسا على الشهادة ؛ ولأنه يصح إقراره بالوارث فيصح له كالصحيح ؛ لأن الإقرار بالوارث يتضمن الإرث والنفقة وغيرهما من الماليات ، والإضرار بالورثة ، فالإقرار بمجرد المال أولى ؛ ولأن قبول الإقرار في المرض أولى من الصحة ؛ لأنها حال اضطرار للقدوم على الله تعالى فهي أحوج وأبعد عن الكذب ، أو نقول : صح إقراره للأجنبي فيصح للوارث كالصحيح عكسه المجنون والمحجور .
والجواب عن الأول : لا نسلم إن ما وجب إظهاره وجب العمل به ؛ لأن الفاسق تجب عليه الشهادة بما يعلمه ولا يجب العمل بها ، وكذلك السفيه والعبد يقران بما عليهما .
والجواب عن الثاني : أن الإقرار بالوارث لا يجوز مع التهمة فلو لم يكن له وارث وله عبد من بلد لم يدخله السيد فأقر أنه ولده لميله إليه امتنع ، ثم الفرق بأن الإقرار بالنسب المال فيه تبع ، ومفاسده عظيمة على تقدير كذبه من تزويج البنات [ ص: 156 ] والدخول عليهن وحجب كثير من الورثة ، وانتشار هذه المفاسد إلى قيام الساعة فتضعف التهمة فيه .
والجواب عن الثالث : لا نسلم أنه يلزم من مزيد حاجته للإقرار قبولنا نحن له كما تقدم في الفاسق والمحجور .
والجواب عن الرابع : نقول بموجبه حيث لا تهمة كما في حد القذف ثم الفرق : أن الأجنبي تجوز هبته له في الثلث بخلاف الوارث .