الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت لأشهب : أفرأيت إن جعلت ورثته يقومون مقامه في الخيار إن اختلفوا فقال بعضهم : أجيز البيع ، وقال بعضهم : بل أنقضه ، فقال لي : إما أجازوا كلهم وإما نقضوا كلهم لأن الميت الذي كان صار إليهم الأمر بسببه لم يكن يجوز له أن يختار إجازة بعض ذلك وترك بعض فكذلك هم واستحسن أن لمن أجاز منهم أن يأخذ مصابة من لم يجز من البائع أو المشتري أن يأخذ مصابته فلا يكون له عليه غير ذلك ، وأما النظر غير الاستحسان فليس فيه إلا أن يأخذوا جميعا أو يردوا جميعا وكذلك لو باع رجل من رجل سلعة ثم مات المشتري وترك ورثة فظهروا من تلك السلعة على عيب ترد منه فليس لهم إلا أن يردوا جميعا أو يمسكوا جميعا إلا أن يشاء الذي أراد الإمساك أن يأخذ جميع ذلك فيكون ذلك له ، فإن أبى فأراد البائع أن يقبل مصابة الذين أرادوا أن يردوا فيكون ذلك له . وقال أشهب : وكذلك من باع سلعة من رجلين فوجدا بها عيبا ترد منه فأراد أحدهما ردها وأبى الآخر فليس ذلك لهما على البائع ، ولكن يردان جميعا أو يمسكان جميعا ، ولا بد للذي أراد أن يمسك من أن يرد مع صاحبه أو يأخذ السلعة كلها بالثمن . [ ص: 211 ] وقد قال لي مالك هذا القول الآخر فكذلك الورثة في الخيار يردون جميعا أو يمسكون جميعا ولا بد للذين أرادوا أن يتمسكوا من أن يردوا مع أصحابهم أو يأخذوا السلعة كلها بالثمن .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن كان الورثة كلهم صغارا ؟ قال : فالوصي ولي النظر لهم على الاجتهاد بلا محاباة في الرد والإجازة ، فإن لم يكن وصي فالسلطان يلي النظر له وأن يجعل ناظرا على ما وصفت لك في الوصي ينظر بالاجتهاد بلا محاباة .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن كان وصي ومعه من الورثة من لا وصية للوصي عليه لأنه يلي نفسه ؟

                                                                                                                                                                                      قال : فهما في ذلك بمنزلة ما وصفت لك في الورثة إذا كانوا كبارا مالكين لأنفسهم قلت : أرأيت إن كان الورثة صغارا كلهم ولهم وصيان ؟ فقال ما اجتمعا عليه من رد أو إجازة بوجه الاجتهاد بغير محاباة فهو جائز ، وإن اختلفا نظر في ذلك السلطان واستشار فمن صوب له رأيه منهما كان القول قوله واتبع رأيه ، وليس الوصيان في هذا بمنزلة الورثة الذين يلون أنفسهم لأن الورثة يحكمون في أموالهم والوصيان إنما يحكمان في مال غيرهما ، فذلك اختلفا في هذا وكان السلطان هو المجوز لصواب المصيب منهما .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن كان مع هذين الوصيين وارث كبير يلي نفسه ؟ فقال لي إن اجتمعوا على رد أو إجازة جاز ما اجتمعوا عليه إذا كان ذلك من الوصيين على الاجتهاد ، وإن قال أحدهما : أنا أرد ، وقال الآخر : بل أنا آخذ فإنه إن كان الذي قال : أنا أرد هو الوارث فذلك له ، ولا بد للوصيين من أن يأخذا مصابته أو يردا معه إلا أن يشاء الباقي من البائع أو المشتري أن يردها ويأخذ مصابة الذين يلونهم من الورثة فيكون ذلك له ولا يكون عليه أن يأخذ منه مصابة الذي اختار الرد عليه وكذلك إذا أراد الوارث الأخذ وأراد الوصيان الرد فلا بد للوارث الذي يلي نفسه من أن يرد معهما أو يأخذ مصابة الذي اختار الرد عليه ومصابة الورثة معه المولى عليهم إلا أن يشاء الباقي من البائع أو المشتري أن يدعه ويأخذ مصابته فقط فيكون ذلك له وإن كان الذي قال : أنا أرد الوارث الذي يلي نفسه وأحد الوصيين نظر السلطان في ذلك فإن رأى الرد أفضل كلف الوصي الذي قال : أرد الإجازة مع صاحبه . وإن رأى الإجازة أفضل كلف الوصي الذي قال : أرد الإجازة ثم لم يكن لهما بد من أن يردا كما رد الوارث أو يأخذ مصابة الوارث للورثة الذين يلونهم إلا أن يشاء الباقي من البائع أو المشتري أن يدعهما ويأخذ مصابة الذين يلونهما من الورثة فيكون ذلك له ، ولا يكون للوصيين عليه أن يأخذا منه مصابة الوارث الذي اختار الرد [ ص: 212 ] عليه .

                                                                                                                                                                                      وكذلك إن كان الذي قال : آخذ الوارث وأحد الوصيين نظر السلطان في ذلك كما وصفت لك .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية