الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في اشتراء اللبن في ضروع الغنم قلت : أرأيت إن اشتريت لبن عشر شياه بأعيانها في إبان لبنها أيجوز ذلك في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ذلك جائز إذا سمى شهرا أو شهرين أو ثلاثة وقد كان عرف وجه حلابها فلا بأس به وإن لم يعرف حلابها فلا خير فيه .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن اشترى لبنها ثلاثة أشهر ثم احتلبها شهرا ثم يموت منها خمسة ؟ قال : ينظر إلى الخمسة الهالكة كم كان حلابها كل يوم فإن كان حلابها كل يوم قسطين قسطين قيل : فما حلاب هذه الخمسة الباقية كل يوم ، فإن كان حلابها قسطا قسطا قيل : فكم كان الشهر الذي احتلبت فيه العشرة كلها من الثلاثة الأشهر التي اشترى حلابها فيها في قلة اللبن وكثرته وغلائه ورخصه فإن بين اللبن في أوله وآخره تفاوتا بعيدا في الثمن يكون شهرا في أوله يعدل شهرين في آخره وأكثر من ذلك ، فإن قيل الشهر الذي احتلبت فيه يعدل الشهرين الباقيين أن لو كانت الغنم الهالكة قياما في نفاق اللبن في الشهر الأول لغلائه فيه ورخصه في الشهرين الباقيين قيل : قد قبضت أيها المشتري نصف حقك بحلابك الغنم كلها الشهر الأول وبقي نصف حقك فلا حق لك في نصف الثمن الباقي وقد استوجبه البائع بحلابك غنمه شهرا ويرد عليك البائع لما هلكت الخمس التي كانت تحلب قسطين قسطين وبقيت التي تحلب قسطا قسطا ثلثي نصف الثمن ; لأن لبن الهالكة قسطان قسطان ولبن الباقية قسط قسط فعلمنا أن الهالكة هي الثلثان من نصف الثمن الباقي والباقية الثلث من نصف الثمن الباقي وإنما هي في هذا النصف الباقي بمنزلة رجل [ ص: 319 ] اشترى لبن عشر شياه في إبان الحلاب على ما وصفنا ، ثم مات منها خمس قبل أن يحلب منها شيئا فإنه يصير أمرهما إلى ما وصفت لك في المسألة التي فوق ، وكذلك أن لو كانت الهالكة تحلب الثلث أو النصف أو الثلاثة الأرباع ، فعلى هذا الحساب يكون جميع هذه الوجوه .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن كنت إنما أسلفت في لبن هذه الغنم فيموت منها شيء ؟ قال : إذا سلفت فيها فيموت منها شيء كان سلفك كله فيما بقي من لبن هذه الغنم .

                                                                                                                                                                                      قلت : والسلف في لبن الغنم يفارق لشراء في لبن الغنم في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، قال مالك : وإنما يجوز شراء لبن الغنم إذا كانت كثيرة الشهر والشهرين والثلاثة فأما إن كانت الشاة أو الشاتين فاشترى رجل حلابها على كذا وكذا شهرا بكذا وكذا درهما فلا يعجبني ; لأن الشاتين غير مأمونتين ، قال : ولو سلف في لبن شاة أو شاتين كيلا معلوما كذا وكذا قسطا بكذا وكذا درهما في إبان لبنها فلا بأس بذلك .

                                                                                                                                                                                      قلت : وإنما السلف في لبن الغنم مكايلة في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم لا يجوز إلا مكايلة في إبان اللبن .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت لو أني بعت لبن غنمي هذه في إبان لبنها حتى ينقطع أيجوز ذلك أم لا ؟ قال : قال مالك : إذا ضرب لذلك أجلا شهرا أو شهرين ، فلا بأس بذلك إذا كان ذلك في إبان لبنها وعلم أن لبنها لا ينقطع إلى ذلك الأجل إذا كانت قد عرف وجه حلابها .

                                                                                                                                                                                      قلت : فلو أني بعت لبنها في غير إبان اللبن وشرطت أن أعطيه ذلك في إبان لبنها كيلا أو جزافا أيجوز ذلك في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا خير في ذلك عند مالك .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن بعت لبن شاتي هذه في إبان لبنها شهرا أو شهرين ؟ قال مالك : أكره أن يباع لبن الشاة الواحدة أو الشاتين ; لأن الشاة والشاتين أمرهما يسير وهما عندي من الخطر إلا أن يبيع لبنهما كيلا كل قسط بكذا وكذا .

                                                                                                                                                                                      قلت : وينقد في ذلك إذا اشترى لبن الشاة أو الشاتين ؟ قال : نعم إذا شرع في أخذ اللبن أو كان يشرع في أخذ اللبن بعد اليوم أو اليومين أو الأيام القلائل .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن اشتريت لبن هذه الغنم في إبان اللبن ، فلم يقبض اللبن حتى ذهب إبان اللبن ؟ قال : يرد الدراهم عند مالك

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية