الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 124 ] ومنفعة البضع ، والحر بالتفويت ، [ ص: 125 - 126 ] كحر باعه وتعذر رجوعه ، ومنفعة غيرهما بالفوات

التالي السابق


( و ) إن غصب حرة أو أمة ووطئها فيضمن ( منفعة البضع ) بضم الموحدة وسكون الضاد المعجمة أي الفرج بالتفويت أي الوطء ، فعليه صداق مثلها ولو ثيبا إن كانت حرة ، وما نقص من قيمتها إن كانت أمة ( و ) إن غصب شخصا حرا واستعمله في عمل فيضمن منفعة الشخص ( الحر بالتفويت ) أي الاستعمال ، ومفهومه أنه إن لم يفوت البضع بأن لم يطأ الحرة ولا الأمة فلا شيء عليه ، ولو اختلى بها ومنعها من التزوج والولادة وهو كذلك ، ولو كانت الأمة رائعة وكذا إن لم يستعمل الحر فلا شيء عليه له ولو عطله عن عمله مدة طويلة .

ابن شاس منفعة البضع لا تضمن إلا بالتفويت ، ففي وطء الحرة مهر مثلها ولو كانت ثيبا ، وفي الأمة ما نقصها وكذا منفعة بدن الحر . ابن عرفة قوله لا يضمن إلا بالتفويت هو مقتضى قولها في السرقة وسائر الروايات إن رجع شاهدا الطلاق بعد البناء فلا غرم عليهما ، وكذا في متعمدة إرضاع من يوجب رضاعها فسخ نكاح ، واختصر ابن الحاجب ، فقال ابن عبد السلام فمن منع حرة أو أمة التزويج فلا يضمن صداقا ، لم أعلم فيه خلافا وتقدم في كتاب النكاح ما يتخرج منه خلاف لبعض الشيوخ . ابن عرفة ما أشار إليه من التخريج لم أعرفه لأحد ، ولم أعرف في النكاح ما يناسب هذا الأصل ، وهو منع منفعة النكاح [ ص: 125 ] تعديا إلا قول اللخمي في الموازية إن باع السيد أمته المتزوجة بموضع لا يقدر زوجها على جماعها فيه فله الصداق ، ولا أرى للزوجة في جميع ذلك شيئا إذا كان الامتناع منها أو من سيدها إن كانت أمة . ابن عرفة وإشارة ابن عبد السلام إلى تخريج مسألة كتاب الغصب على ما اختاره اللخمي غير تام ، وهذا لأن اللخمي لم يقل يغرم قيمة المنفعة بالعضو من حيث ذاتها إنما اختار سقوط عوضها المالي بعد تقرره عوضا فيها لطالبه بتعمد إتلافها ، ولا يلزم من سقوط المال بالتعدي ثبوت المال عن مجرد منفعة البضع لأنه غير مالي ، ولم يحصل له عوض مالي .

وقال ابن هارون إثر كلام ابن الحاجب وخرج فيه بعضهم أن عليه قيمة ما عطله من المنافع كالدار يغلقها والعبد يمنع منه سيده مدة ، ذكره المازري ، وهذا أيضا لم أعرفه للمازري ، إنما ذكر إذا غاب غاصب على رائعة شك في وطئه إياها في ضمانه إياها قولا الأخوين وابن القاسم ، وله في كتاب الشهادات لم يختلف المذهب أن شهيدي الطلاق بعد البناء إذا رجعا فلا غرامة عليهما . وأوجب الشافعي " رضي الله عنه " غرامتهما لإتلافهما منافع البضع ، وهي مما يقدم على الحقوق المالية ، واعتمد أصحابنا على أن من له زوجتان أرضعت كبراهما صغراهما فحرمتا عليه أنه لا غرم عليها فيما حرمت به فرجها عليه ، وعلى أن من قتل زوجة رجل لا يغرم له ما أتلف عليه من متعة . وقول ابن شاس وفي الأمة ما نقصها هو نصها في الاستبراء والأمة كالسلعة على واطئها غصبا ما نقصها الوطء كانت ثيبا أو بكرا ، ومثله في القذف وفي الرهون منها إن وطئ الأمة مرتهنها فعليه ما نقصها وطؤه بكرا كانت أو ثيبا إن أكرهها ، وكذا إن طاوعته وهي بكر ، فإن كانت ثيبا فلا شيء عليه ، والمرتهن وغيره في ذلك سواء .

قلت في تفرقته في الثيب بين وطئها طائعة ومكرهة نظر والصواب عكس تفرقته ، لأنه بوطئه إياها طائعة أحدث فيها عيبا هو زناها وليس هو كذلك في وطئها مكرهة لأنها غير زانية وتقدم في الرد بالعيب أن زناها عيب . [ ص: 126 ] وشبه في الضمان فقال ( ك ) شخص ( حر ) بضم الحاء المهملة وشد الراء ( باعه ) أي الحر شخص متعد عليه ( وتعذر رجوعه ) أي الحر وتحقق موته أو ظن أو شك فيه فيكلف بائعه بطلبه ، فإن أيس منه أغرم ديته كاملة لورثته قاله الإمام مالك رضي الله تعالى عنه . ابن رشد نزلت بطليطلة فكتب قاضيها لمحمد بن بشير قاضي قرطبة ، فجمع ابن بشير أهل العلم فأفتوا بذلك ، فكتب أن غرمه ديته كاملة فقضى عليه بها .

الحط في مسائل أبي عمران الفاسي وكتاب الاستيعاب وكتاب الفصول فيمن باع حرا ماذا يجب عليه ، قال يحد ألف جلدة ويسجن سنة ، فإذا أيس منه أدى ديته إلى أهله ا هـ ، وانظر قوله ألف مع قولهم في عقوبة قاتل العمد مائة . ابن يونس من اتفق مع حر على أن يقر له بالرقبة ليبيعه ويقتسمان ثمنه ففعلا وهلك البائع فيضمن المقر الثمن للمبتاع لتغريره .

( و ) يضمن المتعدي منفعة ( غيرهما ) أي البضع والحر ( بالفوات ) أي عدم حصول المنفعة باستعمال المتعدي ، ولا باستعمال غيره كدار غلقها ورقيق ودابة حبسهما ولم يستعملهما عند مطرف . وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وابن حبيب وصوب وتقدم أن مذهب ابن القاسم عدم ضمانها بفواتها وهو المشهور ، فقد ذكر فيها قولين مشهورا ومصوبا قاله تت . " غ " هذا مناقض لمفهوم قوله وغلة مستعمل اعتمد المشهور أولا والمصوب ثانيا . " ق " لم يذكر هذا ابن الحاجب ، وقد قال ضمن بالاستيلاء . عب هذا إذا غصب المنفعة فلا يخالف قوله فيما تقدم وغلة مستعمل لأنه في غاصب الذات ونحوه للخرشي . .




الخدمات العلمية