الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وحكمه ) أي بيع الفضولي لو له مجيز حال وقوعه كما مر ( قبول الإجازة ) من المالك ( إذا كان البائع والمشتري والمبيع قائما ) بأن لا يتغير المبيع بحيث يعد شيئا آخر ; لأن إجازته كالبيع حكما ( وكذا ) يشترط قيام ( الثمن ) أيضا ( لو ) كان عرضا ( معينا ) لأنه مبيع من وجه فيكون ملكا للفضولي ، [ ص: 114 ] وعليه مثل المبيع لو مثليا وإلا فقيمته ، وغير العرض ملك للمجيز أمانة في يد الفضولي ملتقى ( و ) كذا يشترط قيام ( صاحب المتاع أيضا ) فلا تجوز إجازة وارثه لبطلانه بموته ( و ) حكمه أيضا ( أخذ ) المالك ( الثمن أو طلبه ) من المشتري ويكون إجازة عمادية ، وهل للمشتري الرجوع على الفضولي بمثله لو هلك في يده قبل الإجازة الأصح نعم إن لم يعلم أنه فضولي وقت الأداء لا إن علم قنية ، واعتمده ابن الشحنة وأقره المصنف ، وجزم الزيلعي وابن مالك بأنه أمانة مطلقا [ ص: 115 ] ( وقوله ) أسأت نهر ( بئسما صنعت أو أحسنت أو أصبت ) على المختار فتح . ( وهبة الثمن من المشتري والتصدق عليه به إجازة ) لو المبيع قائما عمادية ( وقوله لا أجيز رد له ) أي للبيع الموقوف ، فلو أجازه بعده لم يجز ; لأن المفسوخ لا يجاز ، بخلاف المستأجر لو قال لا أجيز بيع الآجر ثم أجاز جاز ، وأفاد كلامه جواز الإجازة بالفعل وبالقول ، وأن للمالك الإجازة والفسخ وللمشتري الفسخ لا الإجازة ، وكذا للفضولي قبلها في البيع [ ص: 116 ] لا النكاح ; لأنه معبر محض بزازية وفي المجمع : لو أجاز أحد المالكين خير المشتري في حصته وألزمه محمد بها .

التالي السابق


( قوله : قبول الإجازة ) أي ولو تداولته الأيدي كما قدمناه آنفا . ( قوله : من المالك ) أفاد أنه لا تجوز إجازة وارثه كما يذكره قريبا ويغني عن هذا تصريح المصنف بأن من شروط الإجازة قيام صاحب المتاع . ( قوله : بأن لا يتغير المبيع ) علم منه حكم هلاكه بالأولى ، فإن لم يعلم حاله جاز البيع في قول أبي يوسف أولا وهو قول محمد ; لأن الأصل بقاؤه ، ثم رجع أبو يوسف وقال لا يصح حتى يعلم قيامه عند الإجازة ; لأن الشك وقع في شرط الإجازة فلا يثبت مع الشك فتح ونهر ، ولو اختلفا في وقت الهلاك فالقول للبائع أنه هلك بعد الإجازة لا للمشتري أنه هلك قبلها كما في جامع الفصولين . ( قوله : بحيث يعد شيئا آخر ) بيان للمنفي وهو التغير ، فلو صبغه المشتري فأجاز المالك البيع جاز ، ولو قطعه وخاطه ثم أجاز لا يجوز ; لأنه صار شيئا آخر منح ودرر ، ومثله في التتارخانية عن فتاوى أبي الليث ، ويخالفه ما في البحر والبزازية أنه لو أجازه بعد الصبغ لا يجوز تأمل .

وفي جامع الفصولين : باع دارا فانهدم بناؤها ثم أجاز يصح لبقاء الدار ببقاء العرصة . ( قوله : لأن إجازته كالبيع حكما ) أي ولا بد في البيع من قيام هذه الثلاثة . ( قوله : لو كان عرضا معينا ) بأن كان بيع مقابضة فتح ، وقيده بالتعيين ; لأن الاحتراز عن الدين إنما يحصل به فإن العرض قد يكون دينا على ما ستقف عليه ابن كمال أي كالسلم . ( قوله : فيكون ملكا للفضولي ) أي فإذا هلك يهلك عليه ط وإنما توقف على الإجازة ; لأن إجازة المالك إجازة نقد لا إجازة عقد ، بمعنى أن المالك أجاز للبائع أن ينقد ما باعه ثمنا لما ملكه بالعقد لا إجازة عقد ; لأن العقد لازم على الفضولي كما في العناية . قال في البحر ; لأنه لما كان العوض متعينا كان شراء من وجه ، والشراء لا يتوقف بل ينفذ على المباشر إن وجد نفاذا فيكون ملكا له وبإجازة المالك لا ينتقل إليه بل تأثير إجازته في النقد لا في العقد ، ثم يجب على الفضولي مثل المبيع إن كان مثليا ، وإلا فقيمته ; لأنه لما صار البدل له صار مشتريا لنفسه بمال الغير مستقرضا له في ضمن الشراء فيجب عليه رده ، كما لو قضى دينه بمال الغير . واستقراض غير المثلي جائز ضمنا وإن لم يجز قصدا ، ألا ترى أن الرجل إذا تزوج امرأة على عبد [ ص: 114 ] للغير صح ويجب عليه قيمته . ( قوله : أمانة في يد الفضولي ) فلو هلك لا يضمنه كالوكيل ; لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة من حيث إنه صار بها تصرفه نافذا ، وإن لم يكن من كل وجه فإن المشتري من المشتري من الفضولي إذا أجاز المالك لا ينفذ بل يبطل ، بخلاف الوكيل ، وتمامه في الفتح ، وأطلقه فشمل ما إذا هلك قبل تحقق الإجازة أو بعده كما يأتي بيانه . [ فرع ]

لو أراد المشتري استرداد الثمن منه بعد دفعه له على رجاء الإجازة لم يملك ذلك ذكره في المجتبى آخر الوكالة رملي على الفصولين . ( قوله : وحكمه أيضا إلخ ) تبع في ذلك المصنف وهو عدول عن ظاهر المتن فإن الظاهر منه أن قوله وأخذ الثمن مبتدأ ، وقوله الآتي إجازة خبره ، وهذا أولى كما يفيده قوله الآتي عن العمادية : ويكون إجازة أفاده ط . ( قوله : أخذ المالك الثمن ) الظاهر أن أل للجنس فيكون أخذ بعضه إجازة أيضا لدلالته على الرضا ولتصريحهم في نكاح الفضولي بأن قبض بعض المهر إجازة أفاده الرملي عن المصنف . ( قوله : وهل للمشتري إلخ ) كان الأولى ذكر هذه الجملة بتمامها عقب ما قدمه عن الملتقى ; لأن ذاك فيما إذا وجدت الإجازة ، وهذا فيما إذا لم توجد .

وحاصله أنه إذا لم توجد الإجازة يبقى الثمن غير العرض على ملك المشتري ، فإذا هلك في يد الفضولي هل يضمنه للمشتري : ففي شرح الوهبانية قال في القنية بعد أن رمز للقاضي عبد الجبار والقاضي البديع : اشترى من فضولي شيئا ودفع إليه الثمن مع علمه بأنه فضولي ثم هلك الثمن في يده ولم يجز المالك البيع فالثمن مضمون على الفضولي ثم رمز لقاضي خان وقال : رجع على الفضولي بمثل الثمن ، ثم رمز لبرهان صاحب المحيط وقال : لا يرجع عليه بشيء ثم رمز لظهير الدين المرغيناني وقال : إن علم أنه فضولي وقت أداء الثمن يهلك أمانة ، ذكره في المنتفى . قال البديع وهو الأصح . ا هـ . وعلة تصحيح كونه أمينا أن الدفع إليه مع العلم بكونه فضوليا صيره كالوكيل . ا هـ . ( قوله : واعتمده ابن الشحنة ) كأنه أخذ اعتماده له من ذكره علة التصحيح المذكورة تأمل . ( قوله : وأقره المصنف ) .

قلت : وبه جزم في البزازية وجامع الفصولين ، وعزاه في شرح الملتقى إلى القهستاني عن العمادية . ( قوله : وجزم الزيلعي وابن مالك إلخ ) حيث قالا : وإذا أجازه المالك كان الثمن مملوكا له أمانة في يد الفضولي بمنزلة الوكيل حتى لا يضمن بالهلاك في يده سواء هلك بعد الإجازة أو قبلها ; لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة . ا هـ . وبه علم أن قول الشارح مطلقا معناه سواء هلك قبل الإجازة أو بعدها فافهم . ثم اعلم أن المتبادر من كلام الزيلعي وابن مالك أن المراد إذا وجدت الإجازة لا يضمن الفضولي الثمن سواء هلك قبلها أو بعدها ; لأن الثمن غير العرض يصير ملكا للمجيز ; لأن الفضولي بالإجازة اللاحقة صار كالوكيل فيكون الثمن في يده أمانة قبل الهلاك من حين قبضه فيهلك على المجيز وإن كانت الإجازة بعد الهلاك ، والمتبادر من كلام القنية أن الإجازة لم توجد أصلا لا قبل الهلاك ولا بعده فلذا اختلف المشايخ في ضمانه وعدمه . وأما ما ذكره الزيلعي وابن مالك فلا وجه للاختلاف فيه ، فلا منافاة بين النقلين ، هذا ما ظهر لي فتدبره .

وبقي ما إذا هلك [ ص: 115 ] الثمن العرض في يد الفضولي قبل الإجازة ففي جامع الفصولين يبطل العقد ولا تلحقه الإجازة ، ويضمن للمشتري مثل عرضه أو قيمته لو قيميا ; لأنه قبضه بعقد فاسد . ا هـ . [ تتمة ]

لم يذكر حكم هلاك المبيع وذكره في جامع الفصولين . وحاصله أنه لو هلك قبل الإجازة ، فإن كان قبل قبض المشتري بطل العقد ، وإن بعده لم يجز بالإجازة وللمالك تضمين أيهما شاء وأيهما اختار تضمينه ملكه ، ويبرأ الآخر فلا يقدر على أن يضمنه ، ثم إن ضمن المشتري بطل البيع ; لأن أخذ القيمة كأخذ العين ، وللمشتري أن يرجع على البائع بثمنه لا بما ضمن ، وإن ضمن البائع ، فإن كان قبض البائع مضمونا عليه أي بأن قبضه بلا إذن مالكه نفذ بيعه بضمانه وإن كان قبضه أمانة ، وإنما صار مضمونا عليه بالتسليم بعد البيع لا ينفذ بيعه بضمانه ; لأن سبب ملكه تأخر عن عقده . وذكر محمد في ظاهر الرواية أن البيع يجوز بتضمين البائع ، وقيل تأويله أنه سلم أولا حتى صار مضمونا عليه ثم باعه فصار كمغصوب . ا هـ . ( قوله : بئسما صنعت ) قال في جامع الفصولين : هو إجازة في نكاح وبيع وطلاق وغيرها كذا روي عن محمد : وفي ظاهر الرواية وهو رد وبه يفتى . ا هـ . والظاهر أن مثله أسأت . ( قوله : على المختار ) أي في أحسنت وأصبت ، ومقابله ما في الخانية من أنه ليس إجازة ; لأنه يذكر للاستهزاء . وفي الذخيرة أن فيه روايتين : وفي جامع الفصولين : أحسنت أو وفقت أو كفيتني مؤنة البيع أو أحسنت فجزاك الله خيرا ليس إجازة ; لأنه يذكر للاستهزاء ، إلا أن محمدا قال : إن أحسنت أو أصبت إجازة استحسانا .

أقول : ينبغي أن يفصل ، فإن قاله جدا فهو إجازة ، لا لو قاله استهزاء ويعرف بالقرائن ، ولو لم توجد ينبغي أن يكون إجازة إذ الأصل هو الجد . ا هـ . وفي حاشيته للرملي عن المصنف أن المختار ما ذكره من التفصيل كما أفصح عنه البزازي . ( قوله : لو البيع قائما ) ذكره ; لأنه تتمة عبارة العمادية وإلا فالكلام فيه . ( قوله : بيع الآجر ) بالجيم المكسورة . ( قوله : جاز ) ; لأنه بعدم إجازته لا ينفسخ ، لما مر من أن المستأجر لا يملك الفسخ . ( قوله : بالفعل وبالقول ) الأول من قوله أخذ الثمن والثاني من قوله أو طلبه وما بعده . وفي جامع الفصولين : لو أخذ المالك بثمنه حظا من المشتري فهو إجازة لا لو سكت عند بيع الفضولي بحضرته . ا هـ . وسيذكر الشارح مسألة السكوت آخر الفصل . ( قوله : وأن للمالك إلخ ) استفيد ذلك من قول المصنف وحكمه قبول الإجازة ، فإن المراد إجازة المالك كما مر فإنه يفيد أن له الفسخ أيضا ، وأن المشتري والفضولي ليس لهما الإجازة فافهم . ( قوله : وللمشتري الفسخ ) أي قبل إجازة المالك تحرزا عن لزوم العقد بحر وهذا عند التوافق ، على أن المالك لم يجز البيع ولم يأمر به فلا ينافي قول المصنف الآتي باع عبد غيره بغير أمره إلخ . هذا وذكر في الفتح وجامع الفصولين في باب الاستحقاق ، ولو استحق فأراد المشتري نقض البيع بلا قضاء ولا رضا البائع لا يملكه ; لأن احتمال إقامة البينة على النتاج من البائع أو على التلقي من المستحق ثابت إلا إذا حكم القاضي فيلزم العجز فينفسخ ا هـ وقد مر أول الفصل أن الاستحقاق من صور بيع الفضولي ، فينبغي تقييد قوله وللمشتري الفسخ بالرضا أو القضاء . تأمل ( قوله : وكذا للفضولي قبلها ) أي قبل إجازة المالك ليدفع الحقوق عن [ ص: 116 ] نفسه فإنه بعد الإجازة يصير كالوكيل فترجع حقوق العقد إليه فيطالب بالتسليم ويخاصم بالعيب وفي ذلك ضرر عليه فله دفعه عن نفسه قبل ثبوته . ( قوله : لا النكاح ) أي ليس للفضولي في النكاح الفسخ بالقول ولا بالفعل ; لأنه معبر محض ، فبالإجازة تنتقل العبارة إلى المالك فتصير الحقوق منوطة به لا بالفضولي . وفي النهاية أن له الفسخ بالفعل ، بأن زوج رجلا امرأة ثم أختها قبل الإجازة فهو فسخ للأول ، وفي الخانية خلافه بحر ملخصا . ( قوله : خير المشتري في حصته ) أي حصة المجيز ; لأن المشتري رغب في شرائه ليسلم له جميع المبيع ، فإذا لم يسلم يخير لكونه معيبا بعيب الشركة ، وألزمه محمد بها ; لأنه رضي بتفريق الصفقة عليه لعلمه أنهما قد لا يجتمعان على الإجازة شرح المجمع .




الخدمات العلمية