الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                القسم الثاني : في الأحكام الحسابية ، قال اللخمي : إذا أوصى بجميع ماله ، ولآخر بثلث ماله ولم يجز الورثة فالثلث بينهما أرباع ؛ لأنه نسبة الثلث إلى جملة المال ، وإن أجازوا تحاصوا كذلك في المال ، أو بنصف ماله ولآخر ثلثي ماله ، فالثلث بينهما أسباع ، أو المال فيجعل النصف ثلاثة فيكون الثلثان أربعة ، أو نقول : أقل عدد له نصف وثلثان ستة فيجعل الثلث ستة ، وجملة المال ثمانية عشر ، أو نقول : مخرجه النصف من اثنين ، والثلثين من ثلاثة وهما متباينان ، فبضرب ثلاثة في اثنين تكون ستة وهو جملة الثلث فيكون المال ثمانية عشر ، والوصايا وإن سميت من المال فالحجر الشرعي يردها للثلث ، فكأنه أوصى له بنصف الثلث وهو ثلاثة في هذه الصورة ، وبثلثيه وهو أربعة فذلك سبعة ، وينتقل جملة المال إلى أحد وعشرين ؛ لأنه المتحصل من ضرب ثلاثة في سبعة ، ولو أوصى بالسدس والربع فخرج الربع أربعة والسدس ستة ، فكأنه أوصى لهما بالمخرجين فيكون الثلث بينهما على عشرة ، لصاحب الربع ستة ، ولصاحب السدس مخرجه ؛ لأنه قد صرح أن صاحب الربع يفضل صاحب السدس بمثل نصف السدس وهو ما ذكرناه ، وكذلك النصف والثلث ، مخرج النصف اثنان ومخرج الثلث ثلاثة ، فكأنما أوصى لهما بالمخرجين ، لكن لكل واحد منهما مخرج صاحبه ؛ لأن النصف أكثر من الثلث بمثل نصف الثلث ، وهو زيادة مخرج الثلث على مخرج النصف ، فيكون الثلث بينهما خمسة ، وجملة المال [ ص: 72 ] خمسة عشر ، ولو أوصى بالنصف والثلث والربع فالثلث بينهم ثلاثة عشر ، للنصف ستة والثلث أربعة والربع ثلاثة ؛ لأن هذه الأعداد تثبت هذه الوصايا ، وهذا الباب كثير الفروع فقس غير هذه عليها ، واختلف إذا أوصى بثلث ماله ولآخر بعبد قيمته الثلث وأجاز الورثة قيل : يكون للموصى له بالثلث ثلثا الثلث ، ولصاحب العبد ثلثا العبد ، وثلث العبد ، بينهما نصفان ؛ لأنه وصى بثلثه مرتين ، وقيل : لصاحب الثلث جميع الثلث ، وللآخر جميع العبد لصحة إنفاذ الوصيتين ، وإن لم يجيزوا فالثلث بينهما نصفان لاستوائهما ، وقيل يبدأ بصاحب الثلث ولا شيء للآخر ؛ لأن الميت إنما أوصى له من ثلثي الورثة ، وإن قال : لفلان هذا وقيمته ثلث ماله ، ولفلان خدمة هذا الآخر وأجاز الورثة لصاحب الخدمة ، فله أن يخدمه ويقوم الورثة مقامه في المحاصة فما نابه أخذوه . وقال محمد فيمن أوصى بخدمة عبد ولآخر بعشرة دنانير ولا مال له سوى العبد وأجاز الورثة للمخدم الخدمة ، فإنه يباع ثلث العبد محاصا فيه . هذا بالعشرة والآخر بقيمة الخدمة ، فما صار للمخدم أخذه ثم يختدم ثلثي العبد حتى يموت فيرجع العبد للورثة إن صار له في المحاصة ثلث الخدمة فأقل ، وإن صار له أكثر سلم الفاضل للورثة ولا يزاد على وصيته ، وهو كرجل وصى لرجلين بثلث ماله ولآخر بنصف ماله فأجاز الورثة للموصى له بالنصف فإنه يحاص الموصى له بالثلث بجميع النصف ويعطيه الورثة تمام النصف .

                                                                                                                [ ص: 73 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : أوصى لرجل بماله ، ولآخر بثلثه ، ولآخر بعشرين دينارا ، والتركة ستون ، فلصاحب المال ستة أجزاء ، وللنصف ثلاثة ، وللثلث اثنان ، والعشرون اثنان ؛ لأن الثلث عشرون ، فذلك ثلاثة عشر يقسم عليها الثلث ، وكذلك لرجل بثلث ماله ، ولآخر بسدسه ولآخر بربعه يتحاصون في الثلث من عين ودين وغيرهما على حساب عول الفرائض سواء ، وإن أوصى بثلثه ولآخر بعبده ، وقيمته الثلث ، فهلك العبد بعد موت السيد ، قيل : النظر في الثلث . فللموصى له بالثلث ما بقي ؛ لأنه لم يوقف إلا له ، وإن أوصى بثلثه وربعه وشيء بعينه ضرب في الثلث بالتسميات وقيمة المعين فما صار لصاحب المعين حصته في ذلك المعين ، وما صار للأخوين شارك به الورثة ، فإن هلك المعين بطلت الوصية فيه ، والباقي بين أصحاب الوصايا الأخر ، قال ابن يونس : قال مالك : إن أوصى بثلثه وبنصفه فأجازوا لصاحب النصف وحده أخذ النصف ، والآخر خمس الثلث الذي كان يحصل له لو لم يجيزوا لصاحب الثلث وحده أخذه وأخذ الآخر ثلاثة أخماس الثلث . وقال أشهب : يتحاصان فما صار للمجاز له أتموا له من مواريثهم ؛ لأنها لا تستحق الثلث قبل الإجازة ، وإن أجاز بعضهم دون بعض عمل مخرجها بغير إجازة ، فما حصل لمن لم يجز له أخذه ، ومخرجها مع الإجازة ، فما وقع للمجاز أخذه ، والفاضل عن حصته لو لم يجز للموصى له ، وبمذهبنا في التراجم في الثلث عند عدم الإجازة قال ( ش ) ، وقال ( ح ) : إذا أوصى بالنصف والثلث ، الثلث بينهما نصفان وتسقط الزوائد على الثلث ، وكأنه أوصى لكل واحد بالثلث ، ونقص أصله فيقسم على التفاوت إذا أجاز الورثة ، وإذا أوصى بالثلث وبالربع أو بالسدس ، لنا : قوله تعالى : ( فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ) . والمخالف بدل ؛ لأن الميت فاوت وهو سواء [ ص: 74 ] بل نقول : إذا أوصى بماله وقد أوصى بجميع ثلثه ، وإذا أوصى بنصف ماله فقد أوصى بنصف ثلثه ، وإذا أوصى بربع ماله فقد أوصى بربع ثلثه ، فينبغي أن يقسموا على هذه النسبة أو نقول : ما قسم على التفاضل عند السعة قسم على التفاضل عند الضيق قياسا على المواريث ؛ لأنها وصية لقوله تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم ) فكما عمل في العول يعمل هاهنا . احتجوا بأمور : أحدها : قلب القياس المتقدم فقالوا : وصية لا يزاحم فيها بأكثرها وهو الثلث ، كالميراث لا يزاحم فيه بأكثره وهو الثلثان ، وثانيها : الزوائد لا تستحق بالوصية فلا يضرب به كمال الفقير .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن الشرع ما سمى أكثر من الثلثين ، وهاهنا سمى أكثر من الثلث ، ولا يتصور هناك الخمس والسبع ونحوهما بخلاف هاهنا ، فدل على اتساعه .

                                                                                                                والجواب عن الثاني : أن مال الغير غير قابل بخلاف ماله .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية