الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن الرابع : الصيغة ، وفي الجواهر : هي الصيغة الدالة على تفويض الأمر إليه بعد موته نحو : وصيت إليك ، وفوضت إليك أمر أموالي وأولادي ، وأسندت أمرهم إليك أو أقمتك مقامي ونحو ذلك ، وإطلاق لفظ الوصية يتناول النوعين وجميع الحقوق ، والتخصيص يقتضي الاقتصار على المذكور ، وأما إن أوصى بنوع ، ولم يذكر أنه مقصور عليه بل سكت : فروى ابن القاسم التخصيص به ؛ لأن الأصل : المنع حتى يتفق الآذن ، وقاله ( ش ) . وروى ابن عبد الحكم إذا قال : أنت وصي في هذا لأحد النوعين أو لشيء مما يدخل تحت أحدهما فهو وصية في كل شيء كما لو أطلق ، أما لو أوصى لأحد وصيين بأمر خاص نحو قضاء الدين ، ولآخر بأمر خاص نحو النظر في أم ولده فليس لأحدهما النظر فيما جعل للآخر اتفاقا ؛ لأن أحد الشخصين قد يصلح لما جعل له دون غيره ، وقد عين غيره لغير ما عين له ، فكان كالعزل عنه بخلاف الأول ، وقال ( ح ) : إذا أوصى بمخصوص عم ، ولو نهاه عن غيره ، ولو عين لوصيين كل واحد نوعا ، لكل واحد التصرف العام فيما بين صاحبه وغيره ، ولو وصاه بدين بعض الأولاد عم نظره الأولاد ولا نص ، فإنه لو وصى برد الودائع والغصوب والعواري اختص ، وأصل المسألة : أن الوصية هل هي وكالة تقبل التجزئة أو خلافة وولاية فلا تتجزأ ؟ [ ص: 164 ] لنا : قوله تعالى : ( فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ) وقياسا على الوكالة في الحياة ؛ لأنه يملك التزويج بالوصية ولا يملك بالخلافة ، فدل على أنها وكالة لا خلافة وإمامة ، وقياسا على ولاية الحكم إذا خصصت اختصت . احتجوا على أنها ولاية لا نيابة : إن النيابة تختص بما يملكه المستنيب ، فكيف لا يملك التصرف ، ولهذا إذا جن الموكل بطلت الوكالة لعدم أهلية الموكل ؛ ولأن الوكالة لا تعتبر فيها العدالة بخلافها فتكون ولاية لا نيابة ؛ ولأن الوصي يتعذر عزله إلا بالخيانة ، والوكيل يعزل مطلقا ، ولو جن الوصي لا ينعزل بخلاف الوكيل ؛ ولأنها لا تثبت إلا على عاجز بخلاف الوكالة ؛ ولأنه يملك أن يوكل بخلاف الوكيل ؛ ولأن الشرع لو نص على شيء وسكت عما عداه عم فكذلك هاهنا ؛ ولأنه تصرف بولاية فلا تختص كالأب ؛ ولأنه يستفاد من الموت فلا يتجزأ كالميراث ؛ ولأن قوله : أنت وصيي يعم ، فقوله في قضاء ديني : تأكيد .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن الموت لا ينافي صحة الإذن ونفوذ التصرف كقوله : أنت حر بعد موتي إن دخلت الدار يعتق ، والفقه : أن التصرف المعلق قبل الموت لا ينافيه الموت بخلاف المعلق على الحياة ، ولا تزول ولاية الميت إلا فيما لم يستبقه ، أما ما استبقاه فلا ، وإن قال : أعتقوا عني هذا بقي على ملكه بعد الموت حتى يعتق . وعن الثاني : أنها ثابتة في حق الغير ، والنيابة في حق الغير تشترط فيها العدالة . وعن الثالث : إنه تبطل بالقاضي يعزل بغير جناية ، ثم الفرق : أن الميت يتعذر منه العزل بخلاف الموت .

                                                                                                                الركن الرابع : أن الوصي ليس نائبا عن الطفل ، والوكالة تكون عن العاجز [ ص: 165 ] والجماد .

                                                                                                                وعن الخامس : أن للوكيل أن يوكل فيما لا يتولاه بنفسه وهاهنا هو عاجز بعد الموت فيوصي .

                                                                                                                وعن السادس : أن الشرع إذا نهى عن شيء لا يندرج فيما أذن فيه ، وأنتم تقولون هاهنا فحديث الشرع حجة عليكم .

                                                                                                                وعن السابع : أن تصرف الأب بالولاية ، وشأنها : عدم الاختصاص كالخلافة والإمامة العظمى ، والوصية ولاية خاصة . . . . . . . . . تخصيص فيه كصيغة الإطلاق في الوصية والنزاع في التخصيص .

                                                                                                                وعن السابع : أنه لو قال : أنت وصيي في كذا ، ولست وصيي في كذا ثم ينتقض ذلك بالوكالة فإنها لا تعلم مع وجود غير ما ذكرتموه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : فلان وصيي على كذا لشيء عينه اختص بما سماه ، أو على قبض ديوني وبيع تركتي ، أحب إلي أن لا يزوج بناته حتى يرفع للسلطان ، فإن لم يرفع رجوت أن يجوز ، ولو قال : فلان وصيي حتى يقدم فلان فيكون وصيي جاز ، قال صاحب النكت : إن قدم فلم يرض أو مات في غيبته بقي الأول على وصيته ؛ لأنه مغيى بغاية لم تحصل ، قال التونسي : الأمر كذلك في الموت ، أما إن قدم فلم يقبل فظاهر الأمر سقوط الوصية لإيقافه على الغيبة ، وقد قدم إلا أن يكون المفهوم إذا قدم وقبل ، قال اللخمي : قال أشهب : إذا مات في غيبته لا وصية [ ص: 166 ] للحاضر ، وينظر السلطان ؛ لأنه مقتضى فعل الميت ، قال ابن يونس : إذا قال : على قبض ديوني وبيع تركتي قال أشهب : له أن يزوج ولا يرفع للسلطان ؛ لأن الناس إنما يقصدون بهذه الألفاظ التنبيه على أصل الوصية لا سيما وهي تقع في الأمراض وأوقات الضرورات المانعة من استيفاء العبارات ، قال مالك : لو أوصى بميراث ابنته فلانة الصغيرة أن يرفع إليه ، له تولي بضعها وحسن رفعه للإمام .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية