الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            المرأة والجريمة في علم الاجتماع:

            لم يحظ موضوع المرأة والجريمة باهتمام يذكر في أدبيات علم الاجتماع إلا منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين الميلادي، أما قبل ذلك فقد كان مجالا مهملا من الباحثين والدارسين في علم الاجتماع وعلم الجريمة [1] .

            ويرى ويكمان Wickman أن موضوع المرأة والجريمة لم يكن مجالا يجذب انتباه علماء الاجتماع، في الوقت الذي لقي هذا الموضوع اهتماما واسع النطاق في وسائل الإعلام، التي ساهمت إلى حد كبير في تقديم تفسيرات خاطئة ومضللة حول هذا الموضوع.

            أما سمارت Smart فتقول: إن موضوع المرأة والجريمة لم يلق العناية الكافية في النظريات العامة General Theories، وإنه إذا ذكر فهو يذكر على هامش مناقشة الجريمة عند الرجل، وترى سمارت Smart أن الاهتمام [ ص: 113 ] بـهذا المـوضـوع جاء حديثا مع الاهتمام ببعض الفئات الخاصة والجماعات المهمشة.

            ويضيف ويكمان Wickman سببين آخرين يرجع إليهما بداية الاهتمام بدراسة موضوع المرأة والجريمة، أحدهما يعود إلى زيادة نسبة ارتكاب المرأة للجرائم، والآخر يرجعها إلى ظهور حركات تحرير المرأة في أوروبا وأميركا. ولكنه في الوقت نفسه يشير إلى عدد من الكتابات، التي اعتبرت أن ظهور حركة تحرير المرأة كانت من العوامل المسؤولة عن ارتفاع نسبة الجرائم عند المرأة.

            وفي إطـار مناقشة المنظورات المختلفة في تفسير الجريمة وسلوك المجرمين، عند المرأة بصفة خاصة، حاول ويكمان Wickman أن يصنفها إلى نموذجين:

            الأول: ويسميه بنموذج الدور العكسي Role Reversal Model، ويضم النظريات، التي تفترض أن السلوك الإجرامي عند المرأة يظهر لدى النساء اللائي يحملن خصائص ذكورية، حيث يتمتعن باستعداد أكبر للإتيان بأفعال إجرامية.

            أما النموذج الثاني: فيسميه بنموذج الفرصة Opportunity Model، وهو نموذج النظريات، التي ترى أن جرائم المرأة ليست إلا نتيجة طبيعية للوضع، الذي تشغله في المجتمع والذي يتميز بالخضوع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. [ ص: 114 ]

            ويؤكد ويكمان Wickman أن التغير الاجتماعي، والصراع، وغيرها من العـوامل الاجتمـاعية الاقتصادية، إلى جانب عمليات التمييز بين الرجـل والمـرأة في الحـيـاة اليـومـيـة، هي القـادرة على وضـع الظـاهرة في منظورها الصحيح.

            وفي تصنيف آخر للمنظورات، التي اهتمت بتفسير ظاهرة الجريمة والسلوك الإجرامي بصفة عامة، قدم سمير نعيم تصنيفا يعتمد على العوامل، التي يستند إليها كل منظور في تفسيره للسلوك الإجرامي.

            فهناك في ضوء هذا التصنيف المنظور البيـولوجي [2] والتـكوينـي، الذي يفسر السلوك الإجرامي على أسس فيزيقية [3] أو وراثية.

            وهناك منظور الطب النفسي والتحليل النفسي، وهو المنظور الذي يستند إلى أسس مرضية في تفسير السلوك الإجرامي، ويرى أنه ينتج عن وجود مرض نفسي أو عقلي لدى المجرمين.

            وأخيرا المنظور الاجتماعي الغربي والأميركي، الذي يعتمد في تفسيره للجريمة والانحراف على عوامل اجتماعية، كالتحضر، والتصنيع، والتفكك الاجتماعي، والتصدع الأسري. [ ص: 115 ]

            ويسمح التطور، الذي شهده علم الاجتماع خلال العقدين الأخيرين بتقديم تصنيف ثالث اعتمدت عليه كثير من الدراسات الحديثة والمعاصرة، وهو التصنيف الذي يفرق بين نوعين من المنظورات، بصرف النظر عن الاختلافات القائمة بين العـوامل والافـتراضات، التي يستند إليها المنظرون في تفسيرهم للظواهر الاجتماعية والسلوك الإنساني، وهذان المنظوران هما: المنظور المحافظ، والمنظور الراديكالي [4] .

            ويضم المنظور المحافظ مختلف النظريات، التي تنظر إلى الجريمة والانحراف باعتبارها نشاطا فرديا Individual Activity، وبالتالي فإن علاج ظاهرة الجريمة لا بد أن يتجه إلى العلاج الفردي عن طريق الطب النفسي أو العمل على إعادة تكيف الفرد مع المجتمع ومعاييره، من خلال مؤسسات الرعاية الاجتماعية، أو المؤسسات العقابية.

            أما المنظور الراديكالي فينظر إلى الجريمة والانحراف باعتبارهما نتاج خلل بنيوي في النظام الاجتماعي الاقتصادي طبع المجتمع بخصائص تقوم على التمييز والتحيز، وهذه الخصائص تعد مسؤولة أساسا عن انتشار المشكلات الاجتماعية والانحرافات الفردية الخطيرة، وعليه فإن مواجهة هذه المشكلات واستئصالها لا يتم إلا عن طريق إحداث تغيير جذري في المؤسسات والقوى الاقتصادية الحاكمة [5] . [ ص: 116 ]

            خسارة اقتصادية من جراء جرائم العنف:

            تؤدي جرائم العنف إلى خسارة اقتصادية إذا ما أخذ في الحسبان أن القـاتل فرد منتـج حرم منه المجتمع، فضلا عن أنه قد حرم المجتمع من فرد أو أفراد آخرين منتجين، يضاف إلى ذلك ما يتكلفه المجتمع من وراء إبقاء المسجون وراء القضبان من تكاليف باهظة [6] .

            مقترحات لتحسين أوضاع قاتلات الأزواج:

            لا يعني أن تقتل امرأة زوجها أنها خرجت عن نطاق البشرية، وأنه يجب معاملتها بالشدة والقسوة والإهانة، ولكن يجب مراعاة كل حالة تبعا للظروف والأسباب، التي أدت بها إلى قتل زوجها، والعمل على معالجتها نفسيا ومعنويا وإرشادا لتبدأ عند خروجها من السجن حياة جديدة تفيد بها نفسها وأولادها والمجتمع.

            وعلى المجتمع أن يتذكر في تعامله مع السجناء، كل السجناء، داخل وخارج السجن، أنهم بشر يخطؤون كما يخطئ الجميع، ولكن خطأهم كان كبيرا استحقوا معه السجن.

            وعلى المجتمع أن يتذكر أيضا أن الله عز وجل: ( يقبل التوبة عن عباده ) (التوبة:104)، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( كل بني آدم خطاء، [ ص: 117 ] وخير الخطائين التوابون ) [7] ، ولهذا فعليه أن يقبل توبة التائبين من السجناء، داخل وخارج السجن، ويتعامل معهم على أساس أنهم عند خروجهم من السجن عادوا بشرا كباقي البشر، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، بعد أن أدوا عقوباتهم على ما ارتكبوه.

            وعـديدة هـي الأمـور، التي يمكن معها تحسين أوضاع قاتلات الأزواج، ومنها:

            "1- ضـرورة إيجاد مؤسـسـة تختـص بـرعـاية أبناء قاتلات الأزواج، حتى لا يكون مصيرهم الضياع والانحراف.

            2- وضـع قانون يـحـتـم عـلى الأشـخـاص، الذين يتولون رعاية الأبناء أثناء وجـود الأمـهـات بالسـجـن، سـواء، كانوا أهل الزوج القتيل، أو أهل الزوجة القاتلة، أو مؤسسة رعاية، ضمان حق الأم في رؤية أبنائها في مكان مناسب، وتحت إشراف جهات مسؤولة في وزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية.

            3- توفير الحماية للنساء أثناء نظر القضايا، مع عدم إساءة معاملتهن من جهات التحقيق المختلفة (شرطة - قضاء)، إضافة إلى توفير الحماية لهن [ ص: 118 ] أثناء إقامتهن بالسجن لضمان عدم استغلال ظروفهن. كما لا بد أن تمتد الحماية إلى ما بعد الإفراج عنهن بإيجاد سكن وعمل مناسبين لحمايتهن من الوقوع في براثن الانحراف.

            4- تحسين أوضاعهن المعيشية داخل السجن، وعمل الإصلاحات والترميمات اللازمة لإقامة آدمية معقولة.

            5- ضرورة كف وسائل الإعلام عن التشهير بقاتلات أزواجهن، واستغلال ظروفهن للكسب والدعاية، كذلك ضرورة عدم نشر أسمائهن وصورهن حتى لا يتعرضن، هن أو أسرهن، لمزيد من التشهير، أو الابتزاز من قبل تجار المخدرات وتجار الرقيق الأبيض" [8] .

            حال الزوج المعنف من قبل زوجته:

            يتعرض الزوج المعنف من قبل زوجته لأمور عدة، منها:

            1- تدرج الزوجة في ممارسة العنف ضده، ومن ذلك:

            أ- اسـتـلامها الحـديث أمـام النـاس، بـحضـوره، حتى تكون محط أنظـار الجـالسـيـن، وهـذا الأمر يؤثر، مع الزمن، على شخصيته، حيث يلوذ بالصمت هربا من المناقشات مما يؤدي إلى ضعف في شخصيته وفقد لرجولته.

            ب- شتمها له على مسمع من أولاده. [ ص: 119 ]

            ج- شتمها له على مسمع من ضيوفه أو أهله أو جيرانه.

            د- رشقها له بآلة حادة.

            هـ- ضربها له لوجود ضعف في شخصيته.

            2- شعوره بالإحباط وعدم الثقة بالنفس.

            3- خشيته من افتضاح ضعفه تجاه زوجته في مجتمعه، الذي يعيش فيه ويتعامل معه، وتتجلى هذه الخشية في ابتعاده عن الآخرين، خاصة عن مجتمع الأهل والأصحاب [9] .

            4- انكسار نفسيته، نتيجة شعوره بهوان منزلته عند زوجته.

            5- رضوخه لواقعه حفاظا على أطفاله، ولو لم يكن هناك أطفال لطلق زوجته أو هجرها [10] .

            6- عدم احترام أولاده له، أو عدم استقرار تعاملهم معه على حال واحدة، فمرة احترام ومرة احتقار، مرة ود ومرة تهجم. وقد قالت إحدى الزوجات: "كنت أتعرض للضرب من زوجي، وكان أولادي يقفون معي [ ص: 120 ] ويدافعون عني، ولكن عندما بدأت بالرد عليه وضربه أصبحوا يعنفونني ويضربونني دفاعا عن أبيهم" [11] .

            7- تخليه عن التصرف كأب لأولاده حينما يتعاطفون مع أمهم ويقومون بضربه معها [12] .

            8- ابتعاده عن زوجته لفترة من الزمن، في محاولة لاستعادة صحته النفسية. وقد قال أحد الأزواج المعنفين بعد ابتعاده عن زوجته: "لقد عادت لي ثقتي بنفسي بنسبة 70 %، وعدت إلى التحدث مع الناس، وها أنا أظهر اليوم على شاشة التلفاز ليراني الناس" [13] .

            9- تأخره في طلاق زوجته وصبره على الأذى لعدم تمكنه من دفع مؤخر مهرها ومستحقاتها المادية [14] .

            نصيحة للأزواج المعنفين من قبل زوجاتهم:

            إن أهم وأكثر نصيحة يوجهها أفراد المجتمع للأزواج المعنفين من قبل زوجاتهم تتمثل بألا يخاف الزوج من مواجهة زوجته وأهله ومجتمعه.

            وصف المجتمع للأزواج المعنفين:

            يصف الناس الأزواج المعنفين بأنهم فاقدو الشخصية أو ضعيفوها، وضعف شخصية الرجل عموما هي التي تسمح للمرأة بأن تتجاوز حدودها، [ ص: 121 ] ولا توجد امرأة قوية، بل هناك رجل ضعيف. ويقول أحدهم لزوج معنف: "إذا لم تستطع الدفاع عن نفسك، فكيف تدافع عن بيتك"؟ [15] ، وتقول امرأة: "لماذا يقبل الرجل العنف؟ إن التماثل في المستوى الثقافي والتعليمي، وعدم الاعتماد المالي على الرجل، والفارق الكبير في السن بين الزوجين، أمور قد تولد العنف، ولا أتصور أن المرأة تسلب الحقوق من الرجل" [16] .

            ويقـترح البعض حـلا يتطـلب وجود جمعيات تعنى بحقوق الرجال، علما أنه يوجـد في المغـرب العـربي، مثلا، بعض الجمعيات، التي تعنى بحقوق الرجال [17] .

            وفي مصر، على سبيل المثال، ذكرت دراسة مصرية أعدها الدكتور السيد عوض، أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة قنا، أن أكثر من نصف الرجال المتزوجين في مصر معرضون للضرب أو للقتل من زوجاتهم، ووصلت نسبة عنف الزوجات ضد أزواجهن إلى 50,6 % من إجمالي عدد المتزوجين في مصر.

            وتشير الدراسة إلى أنه غالبا ما يسبق ممارسة العنف ضد الأزواج نشـوب خـلافات زوجية بين الطرفين، وأن أكثر حالات العنف عددا تكون ضد الزوج، الذي يتخطى سن الخمسين عاما من عمـره، وتكون في [ ص: 122 ] الحضـر والريـف مـعا، وغالبا ما يكون الأزواج تجارا أو يعملون خارج البلاد أو موظفين أو فلاحين في المزارع، بل إن بعضهم مدربون رياضيون.

            وتكشف الدراسة عن أساليب العنف ضد الأزواج، حيث قالت الزوجات المتهمات بالعنف ضد أزواجهن في "الريف": "إن الأساليب تبدأ بالشتائم ثم تتصاعد إلى التهـديد بالضرب، ثم بالاعتداء البدني وربما القتل في بعض الأحيان". أما زوجات "الحضر" فقلن: "إنها تبدأ بالمناقشة والحـوار ثـم تتطـور إلى الشتـائم والتهديد بالضرب واللجوء إلى الشرطة، وفي بعض الأحيان إلى القتل أيضا" [18] .

            نماذج من مطالبة الأزواج بحمايتهم من عنف الزوجات:

            ينتشر العنف المجتمعي من الزوجات تجاه أزواجهن في كثير من البلدان، ولا يتسع المقام هنا لحصر ذلك، ولكن فيما يلي نماذج من بعض البلدان تعطي فكرة عن الموضوع:

            1 - المغرب: بدأ بعض الرجال المغاربة يخرجون عن صمتهم ليعلنوا مطالبتهم بالحماية القانونية من عنف زوجاتهم، في الوقت نفسه، الذي تنكب فيه المؤسسات المختصة على وضع قوانين جديدة تحمي النساء المغربيات من عنف الرجال.

            2 - ألمانيا: تأسس في مدينة برلين أول ملجأ في ألمانيا لإيواء الرجال، الذين يتعرضون للضرب المبرح والتعذيب على أيدي زوجاتهم. وتم تمويل هذا [ ص: 123 ] الملجأ من جمعيات اجتماعية وخيرية ومنظمات إنسانية غير حكومية ليضمن لضحايا عنف الزوجات الرعاية النفسية والاجتماعية، وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، بعد ما مروا به من ضرب مبرح على أيدي زوجاتهم وما ترك هذا الضرب في نفوسهم من أثر سلبي [19] .

            3- مصر: أسس الأزواج المصريون المعنفون من زوجاتهم مؤسسات تطالب بحقوقهم

            [20] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية