الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            الفصل الرابع

            عنف الزوجة ضد الزوج

            تمهيد:

            يوجد في المجتمعات الأسرية أسر تكون فيها العلاقة بين الزوجين غير منتظمة أو غير سوية، ويبقى الزوجان ضمن البيت الزوجي دون تفكير بالطلاق لعدة أسباب، ومنها:

            1- عدم تخريب الأسرة لوجود أولاد، وكي لا يشقى أولادهما بنشوئهم بعيدا عن أحد الوالدين في فترة حاجتهم لهما معا.

            2- المستوى الاجتماعي، الذي قد يفرض نفسه خشية الفضيحة بين أناس هذا المستوى، فيبقى أحد الزوجين رهين الآخر.

            3- عدم وجود مكان تأوي إليه الزوجة.

            4- الرضى بالأمر الواقع والاعتياد عليه.

            ويطغى، في هذه الأسر، أحتد الزوجين على الآخر فيما يرضخ الثاني لرغبات الأول، والغالب، في معظم الحالات، أن الطاغي، تبعا للعرف الاجتماعي، هو الرجل، باعتباره صاحب السلطة في البيت الزوجي.

            وينقسم العنف بين الزوجين إلى نوعين: [ ص: 81 ]

            أ- لفظي: يشمل كل أنواع الألفاظ بما فيها أسوأ الألفاظ النابية [1] .

            ب- مـادي: يشمل كل أنواع العنف الجسدي بـما فيها التي تؤدي في أحيان كثيرة إلى التسبب بإعاقة دائمة مدى الحياة لبعض أعضاء الجسد، الداخلية أو الخارجية أو الاثنين معا، كما قد تؤدي بعض أنواع العنف الجسدي إلى الموت.

            ورغم قلة وجود عنف من الزوجة تجاه زوجها، فإنه سيتم في هذا الفصل، بإذن الله، عرض لبعض أنواع وأسباب عنف الزوجة تجاه زوجها.

            وتبعا للوضع الاجتماعي للرجـل، نتيجة التربية، التي تميزه عن المرأة في العالمين العربي والإسلامي، إضافة لطبيعته الجسدية، فإنه من النادر أن يتحدث رجل عن تعرضه للعنف من قبل امرأة، ويزداد الحديث عن هذا الأمر صعوبة إذا كانت المعنفة له زوجته.

            وإذا عرف هـذا الأمـر عـن الرجـل فـإنه ينعت إمـا بـ "الجبان" أو بـ "العاجز جسديا ومعنويا" عن رد عنف الزوجة.

            وتذهب قلة نادرة من هؤلاء الرجال إلى أطباء نفسيين لمساعدتهم على تجاوز، أو تحمل، ما يعانونه [2] . [ ص: 82 ]

            ويكثر هذا العنف عندما تقوى شخصية المرأة على حساب ضعف شخصية زوجها، وعدم مواجهتـه لها، وانصياعه لأوامرها، وتنفيذ رغباتها، ولو كانت هذه الأوامر والرغبات مخالفة لمبادئه وقيمه. وفي بعض الحالات، قد يرضخ الزوج لرغبات زوجته، ليس عن ضعف في شخصيته، وإنما نتيجة ظروف اجتماعية تجبره على ذلك.

            وقـد ازدادت في السنـوات الأخـيرة أعـداد الزوجات المسيـطرات على أزواجـهن، أو المتصـادمـات معـهـم، نتيـجة ما تقوم به الهيئات النسائية القـطرية والعـالمية من بث أفـكار، عن حق وباطل، عن ما يسمى "حقوق المرأة".

            ولعل أبرز أسباب العنف ضد الرجال في الحياة الزوجية هي التي تتمحور حول الأسباب التالية:

            1- فارق السن: حيث تكون الزوجة في العشرينيات أو الثلاثينيات والزوج في الستينيات أو السبعينيات، فتسيء الزوجة لزوجها وتعيره بأنه من جيل والدها وأنها من جيل أبنائه

            [3] . [ ص: 83 ]

            2- عدم الإنجاب: إذا كان الزوج عقيما فإن الزوجة في مثل هذه الحالة تعيب، في أحيان كثيرة، على زوجها مثل هذا الأمر عند أي خلاف [4] .

            3- الضغـوطـات المـادية: إذا كانت الزوجة ترغب في أن تعيش في مستوى معين يتناسب مع المستـوى المعيشي لصديقاتـها أو جيرانـها، أو مستواها المعيشي السابق إذا كانت تنحدر من وسط اجتماعي أرقى من الوسط، الذي ينحدر منه زوجها، فإنها في مثل هذا الوضع تبدأ في الضغط على زوجها كي يوفر لها جميع ما يتوفر لصديقاتها أو زميلاتها من إغراءات حياة الرفاهية.

            4- التأثير السـلبي لتدخل أقرباء الزوجـين: ثبت في مرات عديدة أن تدخـلات بعض ذوي القربى هي السبب في خلاف الأزواج مع بعضهم البعض.

            5- تعـدد الزوجات: إذا كانت هناك أكثر من زوجة لدى الزوج وميز في التعامل بينهن، فإن الزوجة المميز ضدها تقوم أحيانا بالإساءة إليه لفظيا ونفسيا [5] . [ ص: 84 ]

            6 - عمل الزوجين: إذا ما كان الزوجان يعملان ولهما أطفال، فإن هذا معناه، في الغالب، أنه عند العودة إلى البيت فإن الزوج يستلقي لمشاهدة التلفاز أو النوم، فيما تبدأ الزوجة بتأدية المسؤولية الإضافية الملقاة على عاتقها، من إعداد الطعام وتنظيف البيت والملابس والمطبخ ورعاية الأبناء وما إلى ذلك. وفي مثل هذه الحالة تحس الزوجة بالاضطهاد أو الغبن، الأمر الذي ينعكس على نفسيتها ويدفع بها، أحيانا، لأن تنفجر في وجه زوجها، فتقوم بالصراخ عليه وإهانته.

            7 - الخيانة الزوجية [6] .

            8 - هجر الفراش الزوجي: يحدث ذلك لأسباب عديدة، منها: الزواج بالإكراه، الخصام الشديد، عجز الزوج الجنسي، إهمال الزوج لنظافة نفسه ومنها رائحة فمه الكريهة.

            9 - اللجـوء إلى السحرة والمشعوذين، تقوم بعض الزوجات باللجوء إلى السـحرة والمشعوذين الذين يجعلون أزواجهن كالخاتم في أصابعهن، حسب اعتقادهن

            [7] . [ ص: 85 ]

            10- قتل المرأة للرجل بسبب الدفاع عن النفس أو ما شابه.

            11- محاولة النساء اللواتي مورس عليهن العنف في طفولتهن أن يكن عنيفات في كبرهن وفي تعاملهن مع أزواجهن كرد فعل نفسي، وخاصة إذا كان الزوج ضعيف الشخصية.

            12- فقد الرجل لعمله مع استمرار عمل المرأة، بحيث تصبح هي من يصرف على البيت، أو ارتفاع دخل الزوجة مقابل تدني دخل الزوج.

            13- زواج المصلحة.

            14- عدم احترام الزوجة لزوجها وتجاهل وجوده وإهماله، ويتم هذا التجاهل؛ أحيانا بالصمت وهو أشد أنواع التجاهل، لأن الصمت نوع من العنف الحاد وأشد قسوة من الضرب، كما يتم الإهمال بإهمالها لشكلها ونفسها وبيتها وأبنائها منه ولكل ما يحب ويفضل.

            15- هجـر البيت: خروج الزوجة من بيت زوجها في أوقات متأخرة، وهـو أمر يزعـج الـزوج، وكذلك الصـورة المتـكررة للخروج إلى الحفـلات، أو إقـامة الحفـلات في بيتها، أو استقبال صديقاتـها بصورة متكررة.

            16- وجود المرأة في بيئة منحرفة كتعاطي المخدرات والمسكرات والدعارة وما شابه. [ ص: 86 ]

            وعموما، فإن أغلب مشاكل الأزواج لها ارتباط بالإمكانات المادية للزوج، في مقابـل شبه غياب لحالات عنف ناتجة عن خلاف أيديولوجي أو فكري، أو تتعلق بحدوث مشاكل مرتبطة بالأخلاق، وطباع الأشخاص واختلافها، أو بسبب الإخلال بالاتفاق، الذي يجمع الزوجين سواء قبل عقد الزواج أو بعده.

            والملاحـظ أن حالات العنف تتنامى في كثير من الدول العربية [8] ، ومنها على سبيل المثال ما يرد إلى قسم الفحص والاستماع لضحايا العنف التـابع لمركز الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي "ابن رشد" في "الدار البيضاء" في "المغرب"، ومن ضمن هؤلاء الأشخاص رجال ضحايا عنف مورس عليهم من قبل زوجاتهم.

            ويعتبر العنف المتبادل بين الزوجين في "الدار البيضاء" ظاهرة لافتة للانتباه، فقد تنامت في السنوات الثلاث الأخيرة بشكل كبير، إذ يسجل سنويا بالمركز المذكور ما بين 200 و250 حالة تبادل عنف بين الزوجين بشكل عام.

            وتقول "نوال حمدونة"، أخصائية في الطب الشرعي بالمركز المذكور، في الحوار الذي أجرته معها "المغربية": "إن العنف الممارس على الرجال من قبل الزوجات، يعتبر ظاهرة جديدة في الوسط المغربي، لكنها تمارس في الحياة الواقعية بشكل أو بآخر. وأكدت على ضعف عدد الأزواج المعنفين، الذين [ ص: 87 ] يردون على المركز مقارنة بعدد الزوجات المعنفات، مبينة أنه لا يمكن لها القطع، بناء على ذلك، بخصوص عدم تعرض الأزواج للعنف، لتوفر أسباب سوسيوثقافية في المجتمع لا تسمح للرجال بالبوح بما يتعرضون له من عنف داخل بيت الزوجية.

            وتوجه إلى المركز خلال سنة 2005، ثلاثة رجال كانوا ضحية عنف من قبل زوجاتهم لأسباب متعددة، أغلبها لها ارتباط بالمشاكل المادية، التي يعانون منها في البيت".

            وتضيف الأخصائية قائلة: "إن آخر حالة استقبلتها في مكتبي للاستماع إليها وإخضاعها للفحوصات الطبية اللازمة كانت ليلة عيد الفطر للسنة المنصرمة، وكان وراء تعرض الزوج للعنف من قبل زوجته عجزه عن شراء هدايا وملابس العيد لأطفالها، ولأن هذه الأشياء تعتبر مقدسة لدى أغلب النساء والأطفال في مثل هذه المناسبات الدينية، لم تتحمل الزوجة فاقة الزوج فضربت رأسه بواسطة طنجرة (حلة) الضغط ما نتج عنه جرح عميق تطلب إخضاعه لعملية جراحية لإغلاق الفتحة، التي أحدثتها الطنجرة. أما من الناحية الصحية فكان الزوج متعبا جسديا ونفسيا، إذ كان يحتاج إلى رعاية خاصة.

            أما الحالة الثانية فكانت لزوج يبلغ من العمر 33 سنة، تعرض للعنف من قبل زوجته بعد أن عبر لها عن رفضه لحملها وإصراره على تخليها عن الجنين. وبعد مشادة كلامية حادة بينهما، انتهت المشادة باعتداء جسدي [ ص: 88 ] على الزوج بواسطة عصا خشبية ما أصابه بجروح بليغة في أطرافه العليا توجه عقبها إلى المركز بمفرده. وأثناء استماعنا إليه أبدى احتجاجه على تعرضه للعنف من قبل زوجته ولم يجد له مبررا، بل وجد أن طلبه مشروع؛ لأن الزوجة أخلت بالاتفاق، الذي كان بينهما قبل الزواج.

            أما الحالة الثالثة فكانت لرجل له ثلاثة أبناء، تعرض لعنف من قبل زوجته بسبب عجزه ورفضها لتحمل إصابته بمرض مزمن تسبب له في إعاقة جسدية فقد بعدهـا قدرته على الحركة. وأشير إلى أن الزوجة هي ربة بيت لا تتوفر على عمل، قالت إنها تعجز عن تحمل نفقات البيت والأطفال وحدها، ولا تستطيع العناية به. وحسب رواية الزوج فإن الزوجة كانت تمارس الضغط على الزوج وتهدده بين الفينة والأخرى بالرحيل إلى بيت عائلتها مع أبنائها الثلاثة وتركه وحيدا في البيت، وبعد أن اشتد بينهما النقاش فاض غيض الزوجة، فانهالت عليه بالضرب بواسطة "عكازين" يستعملهما عند الحركة، فسقط على الأرض ونتج عن ذلك إصابته بجروح متعددة على مستوى الجمجمة والوجه وظهور كدمات متفرقة بمختلف نواحي جسمه.

            وما لاحظته يومها أن الزوج كان من النوع المسالم والطيب، كان خجولا ويشعر بحجم عجزه الجسدي والمادي إذ لم يكن في وسعه الدفاع عن نفسه. فكان هذا الزوج هو الوحيد، الذي لم يتردد في الحديث عن ما [ ص: 89 ] تعرض له من عنف وعن مشاكله الزوجية، وكان يبكي طيلة الفترة التي كنت أجري عليه الفحوصات خلالها".

            ومن ثم، فإن عنف المرأة تجاه زوجها في الحياة الأسرية يتجلى بعدة صور، منها: العنف النفسي، والمادي، والمالي، والاجتماعي.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية