الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            نماذج من العنف المادي:

            تتعدد نماذج عنف الزوجة ضد زوجها في الحياة الأسرية في المجال المادي، ومنها:

            1 - استعانة الزوجة بالغير لضرب زوجها: لما كانت قوى المرأة البدنية ضعيفة حيال قوى الرجل، فقد تلجأ أحيانا إلى الاستعانة بآخر قوي يعينها على ضرب زوجها وأذيته للانتقام منه، وربما كان هذا الآخر ولـدها أو أولادها

            [1] ، أو شخص آخر غريب عن العائلة، وذلك نتيجة عوامل متعددة منها: [ ص: 92 ]

            أ- عدم صبر الزوجة على قدرات الزوج ومادياته.

            ب- بخل الزوج على زوجته مع وفرة النقود لديه، بينما هو يصرفها على ملذاته المحرمة المنحرفة.

            ج- تعنيف الزوج لزوجته مرارا عديدة لفظيا وماديا بضربها وأذيتها، مما يدفعها إلى الانتقام منه.

            د- تخلص الزوجة من الزوج عندما يكون عاجزا سيء الخلق ويهدد ويتوعد كل من في البيت.

            وقد حدث في بلد عربي ربيع عام 2006م [2] ، أن امرأة تعاونت مع ولدها البالغ عشرين عاما على قتل والده العاجز بطلق ناري في قلبه من بندقية صيد، لأنه كان دائم الصراخ ودائم الإزعاج لأهل بيته، واكتشفت الشرطة المحلية الحادث بعد أن خبأت المرأة بالتعاون مع ابنها الجثة على سطح البيت ضمن حوض ترابي. والجدير بالذكر أن الطبيب الشرعي أفاد أنه لو قدر للرجل العيش فإنه لم يكن أمامه سوى عدد من الأيام بسبب تفشي السرطان في كافة أنحاء جسده. وينطبق على هذه الحادثة المثل القائل: "لو صبر القاتل على المقتول لمات لوحده".

            وهناك من النساء من يقمن بقتل الأزواج بأنفسهن، وهناك من يقمن بقتل أزواجهن بالاستعانة بآخر، وجل حالات الجرائم تعود إلى قهر [ ص: 93 ] اقتصادي واجتماعي، أو قلة المستوى التعليمي مع تفشي الجهل والرغبة بالانتقام من الرجل، الذي زاد من قهره للزوجة، أو للزواج المبكر مع فارق كبير في السن، أو إجبار البنت على الزواج بمن لا ترغب، أو هربا من عنف الزوج بعد رفض أهلها حمايتها منه وإجبارها على البقاء في بيته.

            هـ- تخلص الزوجة من الزوج نتيجة تعلق قلبها بآخر (المخاللة)، وذلك عندما يرفض الزوج طلاقها لترتبط بخليلها [3] ، وقد يؤدي بها الأمر أحيانا إلى قتله [4] نتيجة اتفاقها مع عشيقها [5] ، كما يحدث في بعض البلاد الغربية، وإذا تم النظر إلى الولايات المتحدة الأميركية والتي تأتي على رأس البلدان الصناعية الرأسمالية، التي تنتشر فيها الجريمة وتزداد معدلاتها، يلاحظ زيادة في نسبة عدد جرائم المرأة بشكل يلفت الانتباه، خاصة فيما يسمونه بالجرائم الخطرة Serious Crimes. [ ص: 94 ]

            و- طرد الزوج من البيت بسبب مزاج الزوجة غير السوي نتيجة مرض الزوجة وضيق أخلاقها مع وجود المال لديها وفقر الزوج.

            يقـول أحـدهم [6] : "بدأت الظروف تتغـير مـعـي مـاديا بسبب الفقر، ولم تصبر زوجتي على ظروفي المادية، فبدأت تشتمني أمام الأولاد، وحدثت بيننا مشادة كلامية، وانقلبت بعدها إلى شيطان وجاءت بالشبشب (المشاية: لباس الرجل في البيت) لتضربني به، وتحاملت علي هي وأولادها، وقالت لي: "أخرج من البيت، فلا أريد رؤيتك بعد الآن".

            ز- سعي بعض الزوجات، اللواتي تزوج أزواجهن عليهن، إلى زرع الكراهية والبغضاء بين أولادها وإخوتهم أولاد ضرتها، انتقاما من الزوج لزواجه عليها. هذا مع صراخها عليه وصدامها معه إذا حصل تقصير في العدل في المبيت، أو إذا تأخر في العودة إلى البيت في اليوم، الذي هو لها. وقد وصل الأمر بإحداهن إلى غرس أسنانها في إصبع زوجها مما تسبب له بعطل دائم في إصبعه.

            2- ضرب الزوجـة زوجـها: تضـرب الزوجـة زوجـها دون الاستـعانة بآخرين حينـما تكون ذات بنية جسدية أقوى من بنية الزوج، أو عندما تتعلم أساليب الدفاع عن النفس في دورات تدريبية متخصصة. [ ص: 95 ] ويحـدث هـذا الضرب، من الزوجـة لزوجها، في غـالب الأحيان، دفاعا عن النفس.

            كما قد تضرب الزوجة زوجها إذا استفزها، أو شعرت بأنه أهانها، فتضربه بما في متناول يدها [7] ، كسكين مطبخ، أو تلقي محتويات طنجرة طعـام ساخنـة على وجهـه وسـائر جسـده، أو تقذفه بصحن أو مكواة وما شابه ذلك [8] .

            تقول إحدى الزوجات [9] : "أول عنف صدر مني تجاه زوجي كان رد فعل على ضربه لي كثيرا، ولم يبقني في بيت الزوجية إلا وجود الأولاد فيه. وذات يوم حدث خلاف بيننا تطور إلى الضرب، وبدون وعي ضربته على كتفه ويده، وقلت له: "ذق طعم الضرب". فوقف مندهشا أن تضربه امرأة". وأضافت: "كنت أفعل ذلك لأدافع عن نفسي، ولكن بعدما ضربته عاد وضربني مرة أخرى".

            ويؤدي استعمال هذه الأدوات، في بعض الأحيان، إلى التسبب بإعاقة دائمة مدى الحياة لبعض أعضاء الجسد، الداخلية أو الخارجية أو الاثنين معا، كما قد تترك تشوهات دائمة في جسد الزوج. [ ص: 96 ]

            وتعلل إحدى الزوجات ضربها لزوجها بقولها: "كان زوجي الأول يضربني فأضربه، وإذا ضربني زوجي الثاني فسأضربه". وتضيف: "أنا أتعامل ندا لند مع الرجال، ولا فرق بيننا". وتقول أيضا: "كان زوجي الأول يضربني وأنا حامل في الشهر الخامس، فكيف أسكت؟ وأختي ضربها زوجها حتى ماتت، قتلها ضربا" [10] .

            ومؤخرا صدرت فتوى تجيز للمرأة ضرب زوجها في حالة الدفاع عن النفس، فقد قال أحد رجال العلم الشرعي: ""إن الضرب من حقها في حالة المدافعة عن النفس، أي إذا شعرت أن ضرب زوجها لها يهددها بالخطر المميت". وقال العالم: "إن الضرب للنساء المذكور في القرآن الكريم يكون للضرورة الشرعية".

            ولاقت هذه الفتوى رواجا في المناقشات العامة في المجتمعات المختلفة حتى تناقلتها رسائل البريد الإلكتروني، ووصفت فيه بعض نتائج هذه الفتوى بشكل ساخر، من ذلك قصة ساخرة

            [11] نشرت على بعض مواقع الشبكة العنكبوتية تحت عنـوان: "تعليق على فتوى تعطي المرأة الحق في ضرب الرجل". تقول القصة: [ ص: 97 ]

            "دخل الطبيب إلى عيادته في المستشفى الخاص بالطوارئ وطلب من الممرضة أن تنادي على أول مريض وسألها عما هي حالته، فقالت: "أول مريض هو رجل ضربته زوجته ضربا مبرحا".

            تعجب الطبيب مما سمع وقال: "تقصدين امرأة ضربها زوجها؟". قـالت: "لا، قلـت لحضـرتك أنه رجـل ضربته زوجـته، وهـو هنا الآن فيـما زوجتـه محتـجزة في مخفر الشرطة". فقال الطبيب: "حسنا، دعيه يدخل".

            دخل المريض، وكان رجلا ضعيف البنية، ويلبس نظارات مكسورة من إحدى جهتيها وتبدو عليه آثار عنف جسدي، فسأله الطبيب: "من الذي فعل بك هذا؟". فقال المريض: "زوجتي". فقال الطبيب متعجبا: "زوجتك فعلت بك هذا؟". فقال المريض: "نعم". فقال الطبيب: "كيف حصل هذا؟ أخبرني".

            فقال المريض: "عندما عدت من العمل لم أجد زوجتي في البيت، والأولاد قد أعموا الفوضى في البيت، وطعام الغداء غير معد، فجلست أنتظر عودة زوجتي. وبعدما عادت بعد نصف ساعة، سألتها أين كانت، وعن الوضع الغريب في البيت". فقال الطبيب: "وماذا قالت لك؟".

            قال المريض: "قالت لي: أنا حرة، ولا علاقة لك بي". فقلت لها: "كيف لا علاقة لي بك، ألست امرأتي أم أنني دخلت بيت الجيران بالخطـأ؟". فقـال الطبيب: "كلام معقول، وماذا حدث بعد ذلك؟". [ ص: 98 ] قـال المريض: "لا شيء"، قـالت لي: "من اليوم وصـاعدا سيبقى الوضع هكذا، ومن لا يعجبه فليضرب رأسه بالحائط". فقال الطبيب: "سبحان الله".

            تابع المريض: بعدما قالت هذا الكلام، قلت لها: "من الذي سيضرب رأسه بالحائط يا قليلة الأدب؟ يبدو أن رأسك هو الذي يلزمه تكسير حتى تتعلمي الأدب". وبدل أن ترد علي قامت بخلع سترتها واتخذت وضعية المقاتلين في أفلام الكاراتيه، ثم صرخت بشكل مرعب وقفزت في الهواء وضربتني برجلها على رأسي، وبعد وقوعي على الأرض وضعت رجلها على صدري ... وقالت لي: "لقد تعلمت الكاراتيه وأصبحت حائزة على الحزام الأسـود، كما صـدرت فتـوى تـجيز للمرأة ضرب زوجها دفاعا عن النفس، فـانـتـبه". فقـال الطبيب: "هل ضربتها؟". قال المريض: "لا، لم أتـمكن من ذلك، فقـد فاجـأتني بضـربي". قال الطبيب: "ماذا فعلت بعد ذلك؟".

            قال المريض: "لا شيء، أخذت الأولاد إلى بيت أهلي، وعندما وصلت إليه وجدت أبي في عربة الإسعاف وهو مصاب بإصابات بالغة". قال الطبيب: "خيرا، ماذا حصل؟". قال المريض: "لاشيء، تشاجر مع أمي فضربته ضربا مبرحا، وهو الآن في العناية المركزة، وأمي مع زوجتي محتجزتان في المخفر". [ ص: 99 ]

            طار عقل الطبيب وقال: "لا حول ولا قوة إلا بالله، كنا نرى عبر الزمن أن النساء هن ضحايا العنف الأسري، وأصبحنا نرى الآن أن الرجال هم من أصبحوا ضحايا العنف الأسري". قال المريض: "هذه هي المساواة التي يتكلمون عنها".

            قال الطبيب: "بدل أن تصدر فتاوى تحرم ضرب الزوج لزوجته، وتصـدر قوانين تمنـع ذلك، أصبحـت الفتاوى تصدر لتبيح للزوجات ضرب أزواجهن. أليس من الأفضل أن نحول البيوت إلى حلبات مصارعة؟".

            قال المريض: "ماذا سأفعل الآن؟". فقال الطبيب: "لا شيء، سأكتب لك تقريرا وأحيلك على النيابة وأدع المحكمة تجد لكما حلا. أما أنا فسآخذ حذري من الممرضة، لأنه يبدو أنها تمارس رياضة رفع الأثقال، سأزيد راتبها خوفا من أن تضربني وتهينني".

            3 - تخلي الزوجة عن زوجها في كهولته: تقوم بعض الزوجات عندما يصاب زوجها بمرض عضال لا شفاء منه، بالتخلي عنه متذرعة بعدم قدرتها على الاعتناء به، كما تقوم بتحريض أولادها على عدم البر بوالدهم؛ لأنه كان سبب شقائها في صباها.

            تزوج أحدهم امرأة ذات حسب ونسب وتملك بيتا كميراث من أهلها، ورزق منها أولادا، حرم نفسه من أشياء كثيرة ليعلمهم تعليما عاليا أتموه [ ص: 100 ] بنجـاح وتبوؤوا مراكز مرموقة في المجتمع يغبطهم عليها كثير من الناس. وبـمرور الأيام تزوج الأبناء وامتد العمر بالأب حتى وصل إلى سن الشيخـوخة وهـو لا يزال بكـامل قواه العقلية، وفي هذا العمر أصيب بمرض عضال ألزمه السرير. واضطره المرض إلى دخول المستشفى للعلاج، وحينما سمح له الأطباء بالعودة إلى البيت رفضت الزوجة عودته إليه، وقـالت: "لا أستـطيـع أن أسمـح له بالعودة إلى البيت، فأنا امرأة مسنة لا أقدر على خدمته". وقالت هذا الكلام مع أن أولادها ميسورون ماديا وباستطاعتهم تأمين خادم لأبيهم في بيت الزوجية، ولكن الزوجة "الحنون؟!" رفضت إدخاله إلى البيت، ولذلك تم وضعه في إحدى دور الرعاية الخاصة بالمسنين.

            لم ينته المشهـد بعـد، فبعد أيام حينما ذهب أحد أقاربه لزيارته فوجى به مشجوج الرأس متألما، وحينما لمسه ازداد ألمه بحيث صار يصرخ من شدة الألم، وتبين أنه تعرض لكسر في وركه إضـافة إلى شج رأسه نتيجة سقوطه عن سريره أثناء الاستحمام على يد من لا يرحم ولا يخشى الله من الممرضين.

            فقام القريب بإبلاغ زوجته أن زوجها بحاجة إلى عملية جراحية فورا، وإذا به يفاجأ بقولها له: "لم يعد الأمر يستأهل". أي أنه أصبح في أيامه الأخيرة ولا حاجة لإجراء العملية له، وكأنها اطلعت على الغيب؟ [ ص: 101 ]

            ماذا كان دور أولاده يا ترى؟

            لا شيء، ثم لا شيء، ثم لا شيء، فقد قالوا: "إن الأمر لا يعنينا".

            فاضطر إخوته إلى إدخاله المستشفى وإجراء عملية له ودفع نفقات علاجه، بعد تمنع زوجته وأبنائه عن ذلك وتخليهم عنه.

            ولكن أين سيذهب ذلك الأب بعد خروجه من المستشفى، بعد ما عانى ما عاناه في دار رعاية المسنين؟

            طبعا ليس إلى بيت الزوجية لأن غرفته تحولت إلى غرفة لاستعمال آخر في البيت، وكذلك ليس إلى بيت أحد أبنائه لأن كلا منهم قال: "لماذا أنا وليس أخي؟ والكنة غير مجبرة على خدمته". وأيضا ليس إلى بيت إحدى بناته فكل صهر قال: "أنا غير مجبر طالما أن هناك غيري من أبنائه وبناته". وكل من إخوته قال: "إن له أبناء هم أولى برعايته، ولا يجب أن يذهب إلى هذه المؤسسة أو تلك". وجاء الحل الرباني بأن توفاه الله وهو غاضب على زوجته وأبنائه.

            4- صور مختلفة لعنف الزوجة مع زوجها انتقاما منه:

            تختلف صور انتقام الزوجة من الزوج بين حالة زواجية وأخرى، ومن ذلك:

            أ- رش الزوج بالماء وهو نائم. [ ص: 102 ]

            ب- إهمال البيت وعدم الاعتناء بتنظيفه وتوضيبه، وعدم إعداد الطعام وتحضيره، وعدم الاعتناء بنظافة وترتيب الأولاد.

            ج- منـع الـزوج من مشـاهـدة أولاده بتهريبـهم إلى أمـاكـن لا يعلمها، وذلك عند حدوث خلاف بين الزوجين وسكن كل منهما في بيت مستقل.

            د- التخلص من أهم الأوراق والحاجات، التي يحرص الزوج على الاحتفاظ بها.

            5- عنف الزوجة الجنسي مع زوجها: والأمثلة على ذلك كثيرة، الأمر الذي يؤدي إلى إصابة الزوج بآلام نفسية.

            6- غدر الزوجة بزوجـها: من أمثـلـة ذلك أن تتـدلل الزوجـة على زوجـها ليـكتب لهـا عقـارا أو سيـارة أو مؤسـسة، أو يشركها بحصة في مؤسـسة عمله، وما أن تأخذ ما تريد حتى تظهر غدرها بتعاملها معـه بفـوقية وعنـف، وإذا تصـدى لهـا ترسل له من يضربه إذا لم تقو هي على ذلك [12] . [ ص: 103 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية