الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            عوامل تسبب عنف المرأة ضد المرأة:

            يحدث عنف المرأة ضد المرأة بسبب عوامل عدة، ومن هذه العوامل:

            1- ضيق المساحات المخصصة لسكن الأفراد، كسكن زوجة الابن (الكنة) مع أم الزوج (الحماة) في مسكن واحد.

            2- الفقر والبطالة والضغط النفسي، الذي يؤثر كثيرا على العلاقة مع الآخرين، ويكون سببا وعاملا مهما لإثارة العنف ضدهم لتفريغ الطاقة المكبوتة لدى الأقوياء تجاه الضعفاء.

            3- تدني المستوى التعليمي، والجهل بحقوق الناس وأخلاقيات التعامل الحسنة، اللذان يساعدان على إثارة العنف والقمع تجاه الآخرين. [ ص: 22 ]

            4- تكرار مظاهر العنف في البرامج التلفازية، بما فيها الأفلام والمسلسلات وبرامج الأطفال وغيرها، يجعل الناس يتعاملون مع العنف على أنه حدث عادي، وينزع الحساسية تجاه العنف من قلوبهم وعقولهم [1] ، وذلك من خلال إعطاء جرعة زائدة ومتكررة من العنف، بعرض مشاهد الضرب والتعذيب الوحشي على شاشات التلفزة، سواء كان ذلك على أفراد الأسرة أم على أفراد المجتمع ككل [2] .

            5- تعرض الفرد لحدث غير سار يدفعه إما إلى المقاومة وإما إلى الهرب، وتبدأ ساعتئذ المؤثرات السلبية تظهر في ردود فعل آلية ومشاعر وأفكار وذكريات. وقد ترتبط ردود الفعل هذه بالميل نحو العنف، أو الرغبة في مهاجمة شخص ما [3] .

            6- الرغبة في الانتقام من الآخر بسبب تصرف ما أثار حنقه [4] . ومن الأمثـلـة على هـذا الأمر: الطـفل، الذي تعاقبه والدته فيقوم بتدمـير لعبته [ ص: 23 ] أو يقسو على الحيوان الأليف، والموظف الذي يعامله رئيسه معاملة مهينة يعكس هذه المعاملة على أعضاء أسرته

            7- صراع الأدوار النمطية، فالذي مورس عليه العنف، خاصة في فترة الطفولة، يعنف غيره عادة [5] .

            8- الشعور بعدم الأمان، الذي يعد أحد أسباب الشعور بالعداوة، كما ثبت في ضوء نتائج بحوث ودراسات علم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، والطب النفسي [6] .

            ويمثل السلوك العدواني عند الأطفال مشكلة إكلينيكية واجتماعية مهمة، فقد اتضح أن ما يقرب من ثلث، إن لم يكن نصف، الحالات النفسيـة التي تحول إلى العيادات النفسيـة الإكلينيـكية للأطفـال هي عبـارة عن مشـكلات نفسيـة تتـضمن سـلـوكا عـدوانيا، ويتـضـح [ ص: 24 ] هذا بصـورة واضحة في بعض المجتمعات الأجنبية، وبخاصة المجتمع الأميركي، فقد تبين طبقا للدليل التشخيصي للجمعية الأميركية للطب النفسـي أن 9% من الأطـفـال الـذكور و2% من الأطفـال الإنـاث في الولايات المتحـدة يعانون من اضـطرابات سلوكية حادة، وأن معظم هذه الاضطرابات هي سلوك عدواني.

            والأطفال الذين يبدون أنواعا من السلوك الاندفاعي العدواني الطائش في حـاجـة إلى رعاية صحية عقلية واجتمـاعية كي لا يعرضوا أنفسهـم أو غـيرهم من الأطفال للأخطار؛ لأن مثل هذا السـلـوك يعد مشـكلة لهـا عواقب باهظة التكاليف بالنسبة للمجتمع.

            ويمكن التعرف على الطفل العدواني في مراحل مبكرة من حياته، وذلك من خـلال ملاحظة طريقة سلـوكه وتفاعله مع غيره من النـاس، كزملائه أو أصـدقـائه مثلا، ويقال: إن كثيرا من هـؤلاء الأطفـال، وبخاصة الذكور، قد يظل محتفظا بنمطه العدواني من السلوك في تفاعله الاجتماعي مع الآخـرين.

            وقد تبين أن الأطفال في مرحلة الطفـولة المبكرة (من سن 3 - 5 سنوات)، الذين يظهـرون مستـوى شديدا من الاندفاعية وسرعة التهيـج الانفعـالي وتصرفـات عـدوانية، من المحتمل كذلك أن تظهر لديهم أيضا [ ص: 25 ] مشكلات سلوكية في مرحلة الطفولة الوسطى (من سن 6-8 سنوات)، وقـد ينخفـض تـحصيلهم الدراسي فيما بعد، وكثيرا ما يكونون غير محبوبين من زملائهم.

            وقد اتضح من الدراسات أن مثل هؤلاء الأطفال عندما يصلون إلى مرحلة الرشد يكونون أكثر عرضة من غيرهم للانخراط في الأنشطة الإجرامية، ويتسببون في مشكلات زوجية مع زوجاتهم وأيضا مع زملائهم في العمل في حياتهم العملية [7] .

            9- تخلي الوالـدين عن دورهمـا التـربوي والرقابي على الأبناء [8] ، وعدم المبالاة بمتطلباتهم، الأمر الذي يحول الأبناء إلى عناصر ناقمة على الأسرة، وكذلك التدليل الزائد أو القسوة الزائدة في معاملة الأبناء من جانب [ ص: 26 ] الوالدين تهيئ الأبناء للانتقام رغبة في إثبات ذواتهم، أو في تحقيق مطالبهم الأساسية، حتى لو أدى الأمر للانتقام من والدتهم أو والدهم، ذكرا كان الابن أم أنثى.

            ربما يكون غياب الأم عن أبنائها بسبب العمل عاملا مدمرا للأسرة إذا ما غابت عن البيت لساعات طويلة كعملها في أحد المصانع، وفي هذا يقول "أنجلز"، أحد علماء الاجتماع الغربيين: "في حالة المجتمع الراهنة، يصبح عمل المرأة في المصنع دمارا للأسرة، فعندما تضطر الزوجة لأن تقضي 12-13 ساعة في المصنع يوميا، ويعمل الزوج فترة لا تقل عن ذلك، فإن الأطفال ينمون كالأعشاب الطفيلية، حيث لا يجدون رعاية أو مراقبة من الوالدين، والأطفال الذين ينمون في هذه الظروف يصبحون فيما بعد ضائعين كلية بالنسبة للأسرة، كما يؤدي هذا الظرف إلى أسوأ عواقب التفسخ الأخلاقي بالنسبة إلى الأزواج والأبناء على السواء".

            10- التميـيز بين الأبناء من قبـل الأم، كتمـييـز الذكور على الإناث وما شابه ذلك [9] .

            11- تفشي الأخـلاق البيئية السيئة في محيط الأسرة، ومن ذلك [ ص: 27 ] الخيـانة والكذب والغش والاحتيال وإفشاء الأسرار واستعمال الألفاظ السوقية والنابية.

            12- نظرة التعـالي على الآخر من جهة النسب أو المكانة الاجتماعية أو المالية.

            13- ضعف الوازع الديني والأخلاقي، الذي يمثل رادعا قويا في نفوس الـناس، الأمر الـذي يسهل اللـجـوء إلى العنـف وظلم الآخرين دون خوف أو وجل من عقاب الله سبحانه وتعالى.

            14- عامل الغيرة، ومن ذلك:

            أ- الغيرة بين الضرائر في البيئات، التي يوجد فيها تعدد زوجات، بغض النظر عن كون السكن متقاربا أو متباعدا.

            ب- الغيـرة من الأصـغر سنا بعـد فقد الصبا عند النساء اللواتي تقدم بهن العمر، ويحدث هذا الأمر بين الحماة والكنة أو بين الأم وابنتها وما شابه ذلك. [ ص: 28 ]

            مظاهر أشكال العنف الأسري وعنف المرأة ضد المرأة:

            كثيرا ما ينعكس تصرف المرأة المعنفة تصرفا عنفيا مع أولادها، ذكورا وإناثا، أو مع من حولها، وهذا العنف يكون إما جسديا، وإما لفظيا بألفاظ نابية وصوت مرتفع، وإما معنويا.

            والعنف الجسـدي يأخـذ أشـكال: الضـرب باليد أو بأداة، الإمسـاك بعنـف، الـدفع والتـشـابـك بالأيـدي، شـد الشـعـر، العض والقرص [10] .

            والعنف اللفظي يأخذ أشكال: إهانة الكرامة، السباب والشتائم [11] ، السخرية والتهديد.

            وتـكـون المـرأة المعنفة العنـصر الأضعـف عـادة في دائرة الصراع، وكثيرا ما تلجـأ إلى الأدعـية كأداة الصراع الوحيـدة المتـاحـة لهـا. فهي إذا غضبت أو أصابها ظلم، حتى من أقرب الناس إليها، تنهال عليه، إما جهارا أو خفية، بالدعوات طالبة من الله أن ينتقم منه ويعاقبه. ولا بأس أن يكسر رجله أو حتى يميته، وهي تستعمل مثل تلك الأسلحة المضادة حتى مع [ ص: 29 ] أطفالها، ولا يكاد ينجو طفل من عبارات مثل: "الله يأخذك، الله يقصف عمرك، الله يميتك". وقاموس المرأة الاجتماعي مليء بالدعوات القصيرة المؤلمة بهذا الصدد.

            والعنف المعنوي يأخذ أشكال: التهديد بالوشاية الناتج عن العنف الجنسي والذي غالبا ما يكون بين الأطفال من جنس واحد أو بين الجنسين، ويكون عادة في سـن الطفـولة وقـد يمتد إلى سـن المراهقـة، ويكون سببه نوم الأطـفـال في سرير واحـد في مجتمع الأسرة، أو أثناء المبيت عند أقارب أو أصحـاب، أو في مجتمعات مغلقة كمؤسسات فيها نظام المنامة الداخلية، أو تقليد ما يرونه من متابعة برامج غربية على شاشات التلفزة، وقد نبه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على الانتباه للأطفال بقوله: ( وفرقوا بينهم في المضاجع ) [12] .

            ومن العنف المعنوي التفريق في المعاملة بين الأبناء بمحاباة ولد على آخر، من جهة الأم أو الأب أو الاثنين معا، وما يؤدي إليه ذلك من حرمان عاطفي لهـذا الولـد، وكذلك الانتقادات الدائمة إزاء تصرفات [ ص: 30 ] معينة وما شابه ذلك. وقد يؤدي ذلك إلى الإحبـاط، الذي يتبعه في حالات كثيرة سلوك عدواني، وقد لا يظهر العدوان مباشرة عقب الإحباط؛ لأن من الدروس الأولى، التي يتعلـمها الفـرد في حياته هو أن يكبح جماح غضبه ولا يظهـره في كل الحـالات، ولا يعـني هـذا اختـفاء العدوان بل قـد يظهر بصـور أخرى، وقد يلجأ الشخص الغاضب المحبط والذي تضغط عليه انفعـالاته من الداخل إلى تسـريب غضبه في سلوك ما، والطفل المحبـط من والده ولا يستـطيـع التعبير عن غضبه ضده، فقد يسرب بعضا من غضـبـه في الاعتـداء على أخيه الصغـير، والموظـف المحبـط من مديره في العمل قـد يوجـه عدوانه نحو زوجته فيحتد في نقاشه معها أو يعنف أحد أبنائه [13] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية