3- إحسان الظن: إن الأصل في الناس دوما البراءة والطهارة وحسن النية حتى يثبت العكس، هذا ما أشارت إليه قصة موسى، عليه السلام، مع الخضر، فعندما اتفق موسى على أن يصحب الخضر ويتعلم منه مما علمه الله وتعهد له بأن يصبر مهما سمع أو رأى، مرا على غلام فقتله الخضر، فاستصحب موسى الأصل ولم يستطع الصبر حيث قال له: ( أقتلت نفسا زكية بغير نفس ) (الكهف:74) ، والشاهد في الآية إطلاق موسى على تلك النفس وصف ( زكية ) وهو لا يعرف عن ذلك الفتى شيئا، لأنه تعامل مع الأصل الذي يولد عليه كل إنسان!
وقال تعالى: ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) (النور:12)، وتعني هذه الآية: ظنوا بأمثالهم من المسلمين خيرا، كما ذهب [ ص: 93 ] إلى ذلك الإمام الفخر الرازي [1] ، أو رضوا للآخرين ما يرضونه لأنفسهم، فهل لو كانوا مكانهم سيفعلون مثلما نسب إليهم من انحراف، وهل سيرضيهم أن يتناقل إخوانهم خبرا كاذبا عنهم؟ وفي كلا التفسيرين يتضح وجوب حسن الظن بالآخر والبحث له عن مخارج وأعذار.
وقد اتسم الصحابة الكرام وأئمة المسلمين بالبحث لبعضهم عن أعذار حتى في اجتهادات خطيرة خالفت بعضها ما تعارفت عليه الغالبية من أحكام، ونتيجة هذا الإعذار لم يلجأ أحد من هؤلاء السلف العظام إلى التكفير والتفسيق لمن خالفه في المذهب أو الطائفة فضلا عمن يخالفه الرأي في ذات المدرسة أو التيار، وغاية ما يمكن فعله في هذا المقام هو تخطيء صاحب الاجتهاد المغاير [2] .
وقال عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، لابنه عبد العزيز: إذا سمعت كلمة من امرئ مسلم فلا تحملها على شيء من الشر [3] . وقد اشتهرت مقولة حجة الإسلام الغزالي والتي نسبت أيضا إلى غيره من أعلام المسلمين القدامى، وهي مثال في الإعـذار وحسن الظن: "إذا قال الرجل كلمة تحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها وتحتمل الإيمان من وجه واحد، فنحملها على الإيمان"!! [ ص: 94 ]