الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  3- احترام المعايير الموضوعية:

                  وضع الإسلام معايير ثابتة للثواب والعقاب، وحتى المعايير المرنة فإن مرونتها تدور مع الأفكار والحالات، لا مع الأشكال والشخصيات . ومن ثم فإن الأقارب والأباعد، المتقين والفاسقـين، تنطبق عليهم ذات المعايير التي [ ص: 63 ] لا تحابي أحدا، قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) (البقرة:178).

                  أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، رحمه الله، قال: إن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، وكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدد والأموال، فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم، والمرأة منا بالرجل منهم، فنـزل فيهم: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) (البقرة:178) [1] .

                  وتحت عنوان: "الله ليس منحازا لأحد" أورد فهمي هويدي من الآيات وأقوال علماء المسلمين ما يؤكد أن الله ينظر إلى الناس جميعا بمختلف أديانهم بذات النظرة، فهو لا يحابي أحدا، وأن النصر والتمكين يقومان على معايير "موضوعية" لا تحابي أحدا، مثل ما حدث في موقعة "أحد"، حيث إن انتصار المشركين "كان لأسباب موضوعية بحتة" [2] . [ ص: 64 ]

                  وقال تعالى: ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ) (النساء:58)؛ لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن طلحة، رضي الله عنه، فلما أتاه قال: "أرني المفتاح"، فأتاه به فلما بسط يده إليه قام العباس فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي اجمعه لي مع السقاية، فكف عثمان يده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هات المفتاح يا عثمان". فقال: هاك بأمانة الله، فقام ففتح الكعبة، ثم خرج فطاف بالبيت، ثم نزل عليه جبريل برد المفتاح، فدعا عثمان بن طلحة فأعطاه المفتاح ثم قال: ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ) (النساء:58) [3] .

                  وهكذا لا مجاملة ولا محاباة في أي أمر من الأمور، فما ينطبق على الأقارب ينطبق على الأباعد، وما ينطبق على المسلمين ينطبق على غيرهم، قال تعالى: ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ) (النساء:123).

                  فقد تفاخر أهل الأديان، حيث جلس ناس من اليهود وناس من النصارى وناس من المسلمين، فقال هؤلاء: نحن أفضل، وقال هؤلاء: نحن أفضل، فنـزلت هذه الآية [4] . [ ص: 65 ]

                  وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اختلال معايير العدالة في المجتمع الإسلامي؛ لأن ذلك سيكون إيذانا بتخلف هذا المجتمع وضعفه وانحطاطه، ففي الحديث عن عائشة، رضي الله عنها، أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سـرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسـول صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أتشفـع في حـد من حـدود الله؟!" ثم قـام فاختطب، ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) [5] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية