الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  1- مكافأة الجزاء للعمل: إن كل إنسان معرض لأن يحسن وأن يسيء، ومن مقتضيات الموضوعية تفعيل مبدأ الثواب والعقـاب. وقد علمنا القرآن الانضباط في هذا الأمر بحيث يتوازى الثواب مع الإحسـان، بمعنى أن لا يقل عنه، قال تعالى: ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) (الرحمن:60)؛ وبحيث يتكافأ العقاب مع الإساءة، قال تعالى: ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) (النحل:126) ، ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) (البقرة:194) ، ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) (الشورى:40) ، ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ) (يونس:27). [ ص: 57 ]

                  ولأن من طبيعة البشر الانفعال والميل إلى الثأر والانتقام ممن أساؤوا إليهم بدون التقيد بموازين العدل والموضوعية، فقد أكد الله أهمية الانضباط والالتزام بموازين العدل في مواضع عديدة من القرآن وبأساليب مختلفة.

                  أخرج الحـاكم والبيهـقي في "الدلائل"، والبزار عن أبي هريرة، رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد، وقد مثل به فقال: ( لأمثلن بسبعين منهم مكانك ) فنـزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتم سورة النحل: ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) إلى آخر السورة، فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسك عما أراد [1] .

                  وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم عن أبي بن كعب، رضي الله عنه، قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون، ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة بن عبد المطلب فمثلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم في التمثيل، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله: ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) الآية [2] .

                  ومن الآيات التي تشرع للمماثلة في العقاب، قوله تعالى: ( ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور ) (الحج:60) [3] [ ص: 58 ] .

                  وهناك آيات كثيرة تبين كيف أن الله ذاته يجزي المحسنين بإحسانهم ويجزي المسيئين بإساءاتهم، بحيث يحتسـب مقدار الذرة من الخير أو الشر ولا يضيع أجر من أحسن عملا، قال تعالى: ( من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون * ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ) (النمل:89-90) ، ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) (الأنعام:160).

                  وفي الإحسان شرع الإسلام الجزاء المماثل أو الأفضل : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) (الرحمن:60) ، ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) (النساء: 86)، ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) (يونس:26) .

                  وحث النبي صلى الله عليه وسلم على شكر صاحب الإحسان، فقال صلى الله عليه وسلم : ( من لم يشكر الناس لم يشكر الله ) [4] .

                  ومن الشكر الثناء على صاحب الفضل، والتنويه بأسبقيته وأفضليته، مثلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، حيث أثنى عليه صلى الله عليه وسلم وأبرز تميزه بين الصحابة في أحاديث وقصص عدة [5] . [ ص: 59 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية