أولا: العلماء هم أهل الاختيار:
في أثناء التأصيل للصفات التي ينبغي أن يكون عليها من يتولون اختيار ولي أمر المسلمين، يقرر الجويني بكل وضوح أن أهل العلم هم الذين يناط بهم هذا الأمر، أما غيرهم من العوام والنساء فلا مدخل لهم ولا شأن في هذا الاختيار؛ وذلك أن أهل العلم هم الأقدر على اختيار من هو أصلح لأمر الأمة، وأضبط لشأنها، وهذا الاختيار لا يتأتى من غيرهم؛ كونهم غير مؤهلين لاختيار من تقوم به مصلحة المسلمين، يقول الجويني في هذا الخصوص: "فما نعلمه قطعا أن النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام وعقد الإمامة؛ فإنهن ما روجعن قط ... ولا تعلق له بالعوام الذين لا يعدون من العلماء وذوي الأحلام" [1] ، فهذا النص واضح الدلالة على أن غير أهل العلم لا سبيل لهم لاختيار ولي أمر المسلمين؛ وأن أهل العلم هم الأقدر من غيرهم على معرفة من يصلح لتولي هذا الأمر ومن لا يصلح له.
وتأسيسا على ما تقدم، فإن الجويني لا يبرح يؤكد أن العلماء هم أصحاب الشأن في اختيار الإمام، وأن الآخرين تبع لهم؛ وذلك أن "الفاضل الفطن، المطلع على مراتب الأئمة، البصير بالإيالات والسياسات ومن يصلح لها، متصف بما يليق بمنصبه في تخير الإمام". ويتجلى الفقه الحي بخصوص هذه المسألة، أن الجويني لم يشترط لصحة عقد العاقد للإمامة أن يكون بالغا [ ص: 112 ] مبلغ المجتهدين، بل يكفي أن تكون مبايعته ذات أثر وتأثير في المحيط الاجتماعي والسياسي، وبحسب تعبير الجويني نفسه: "أن يكون المبايع ممن تفيد مبايعته منة واقتهارا" [2] .