الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                فقه السياسة الشرعية (الجويني أنموذجا)

                الدكتور / عمر أنور الزبداني

                المطلب الثالث: القيام بالدعوة منوط بالإمام:

                يؤكد الجويني على نحو ملحوظ أن أمر الجهاد منوط بالإمام، فإن الله ناط به "أمور المسلمين، وربط بنظره معاقد الدين"، وهو "مأمور بمكاوحة الكفار ما بقي منهم في أقصى الديار ديار" [1] . ما يعني أنه لا ينبغي للأفراد "الاستئثار والانفراد والاستبداد بالأنفس في الجهاد، بل ينبغي أن يصدروا عن رأي صاحب الأمر"؛ لأن أمر الدعوة من أهم واجبات الإمام.

                ويجوز الجويني في حالات خاصة، أن ينفرد الناس بالجهاد، وذلك عند شغور الزمان عن إمام، يقول في تقرير هذا: "أما ما يسوغ استقلال الناس فيه بأنفسهم، ولكن الأدب يقتضي فيه مطالعة ذوي الأمر، ومراجعة مرموق العصر، كعقد الجمع، وجر العساكر إلى الجهاد، واستيفاء القصاص في النفس والطرف، فيتولاه الناس عند خلو الدهر".

                ويفترض الجويني حال خلو الزمان عن إمام، واستيلاء مستول ذا كفاية واستقلال على الإمامة، فإنه يجوز لهذا المستولي أن يعلن الجهاد، وعلى الناس طاعته. ويعلل الجويني جواز ذلك؛ بأن "المعنى الذي يلزم الخلق طاعة الإمام، ويلزم الإمام القيام بمصالح الإسلام، أنه أيسر مسلك في إمضاء الأحكام، [ ص: 162 ] وقطع النزاع والإلزام، وهو بعينه يتحقق عند وجود مقتدر على القيام بمهمات الأنام، مع شغور الزمان عن إمام".

                ويفترض الجويني حالة ثانية، وهي ما إذا لم يوجد من هو مستوف لشروط الإمامة، ووجد ذو كفـاية، بيد أن فيه ميـل إلى انتهاك الحرمات، لم يجز أن يسند إليه الأمر، إلا إذا نزلت بالأمـة نازلـة، ولم يمكن دفعها إلا بتعيين ذلك الفاسق، فإن المتعين تقريره؛ لدفع ما نزل [2] .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية