الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                فقه السياسة الشرعية (الجويني أنموذجا)

                الدكتور / عمر أنور الزبداني

                المسألة الخامسة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

                ليس يخفى وجه الصلة بين منهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين استقرار المجتمع؛ إذ بينهما ارتباط وثيق وعلاقة تلازمية، فكل مجتمع يؤسس بنيانه على هذا المنهج، لا بد أن يكون مجتمعا سليما ومستقرا، وكل مجتمع لا يقوم بنيانه عليه، لا بد أن يكون مجتمعا مضطربا غير مستقر، ومن هنا وجدنا الجويني يتعرض في تضاعيف مباحث فقه السياسية الشرعية لهذا المنهج؛ تحقيقا لقيام مجتمع سليم معافى.

                ينتقد الجويني بداية مسلك الفقهاء؛ كونهم لم يتناولوا باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن مباحثهم الفقهية، بل وكلوه إلى [ ص: 131 ] المتكلمين، مع أن "الشرع من مفتتحه إلى مختتمه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر". وليس يخفى أثر ذلك على بناء المجتمـع بناء سليما ومتينا. ومن ثم، يقرر الجوينـي أن "الدعـاء إلى المعروف والنهي عن المنـكر يثبت لكافة المسلمين، إذا قدموا بثبت وبصيرة"، فمنهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يثبت للمسلمين كافة، وليس هو من اختصاص طائفة معينة، بشرط أن يطبق هذا المنهج على بصيرة وعلم، فـكل بحسب طاقته، وكل من موقعه، وبهذا يكون المجتمع بفئـاته كافة آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، بحيث ينعـكس ذلك على أمـن المجتمـع واستـقراره، وقوة علاقاته الاجتماعية.

                وينبه الجويني هنا على مسألة غاية في الأهمية، وهي أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنما يكون في إطار الموعظة الحسنة، والنصح والإرشاد، وليس من حق أحد من الأفراد اللجوء إلى العنف والقوة بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن في هذا المسـلك تعديا على سلطة الدولة، ما يؤدي إلى تهديد أمن المجتمع، وزعزعة استقراره.

                ومع هذا، يقرر الجويني أن للأفراد أن يتصدوا لبعض الأمور التي هي من اختصاصات الدولة، لكن بشرط أن يكون تصديهم لذلك وفق المنهج القويم، وبحسب ما هو مشروع ومعروف، ويكون هذا من باب الاحتساب، كتقويم الموازين، ومراقبة الغشاشين. وأيضا مما يسوغ للأفراد القيام به عند خلو الدهر من قائم بأمر الله، عقد الجمع والجماعات، واستيفاء القصاص، [ ص: 132 ] ومحاربة السعاة في الأرض بالفساد، فكل هذا ونحوه مما يسوغ للأفراد أن يتولوه بأنفسهم، وهو "من أهم أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" [1] ، التي يعود القيام بها بالنفع على المجتمع دينا ودنيا.

                التالي السابق


                الخدمات العلمية