ووضع الناس عليه كتبا كل يبين عنه كيف كتبا
[ ص: 21 ]أجلها فاعلم كتاب المقنع فقد أتى فيه بنص مقنع
كان رحمه الله دينا ورعا كثير البركة مجاب الدعوة مالكي المذهب، سمع من أبي الحسن القابسي، وابن أبي زمنين وخلق كثير، وأخذ عنه أناس كثيرون بالأندلس وغيرها منهم قارئ أبو عمرو الداني الأندلس، فقيهها، وأبو الوليد الباجي محدثها، قال وأبو عمرو بن عبد البر اللبيب في شرح العقيلة: رأيت مائة وعشرين تأليفا منها أحد عشر في الرسم، أصغرها جرما كتاب المقنع، قال: وسمعت من يوثق به من أصحابنا أن له مائة ونيفا وثلاثين تأليفا في علم القرآن من قراءة ورسم وضبط وتفسير وغير ذلك، وقال لأبي عمرو الداني كان أحد الأئمة في علم القرآن بروايته وتفسيره، ومعانيه، وطرقه وإعرابه، وجمع في ذلك تآليف حسانا يطول تعدادها، وله معرفة بالحديث وطرقه، وأسماء رجاله ونقلته، وكان حسن [ ص: 22 ] الخط، جيد الضبط من أهل الحفظ والذكاء والتفنن، وقال غيره: لم يكن في عصره آخر يضاهيه في حفظه وتحقيقه، وكان يقول: ما رأيت شيئا قط إلا كتبته، ولا كتبته إلا حفظته، ولا حفظته فنسيته، وكان يسأل عن المسألة مما يتعلق بالآثار وكلام العلماء فيوردها بجميع ما فيها مسندة من شيوخه إلى قائلها، ومولده سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وابتدأ طلب العلم وهو ابن أربع عشرة سنة، وتوفي بدانية يوم الإثنين في النصف من شوال سنة أربع وأربعين وأربعمائة، ودفن بعد صلاة العصر، وخرج لجنازته كل من أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال: بدانية، ولم يبلغ نعشه إلى قبره إلا قرب المغرب لكثرة ازدحام الناس عليه، مع قرب المسافة بين داره وقبره جدا، ولو كانت بعيدة ما دفن تلك الليلة، ومشى السلطان ابن مجاهد على رجليه أمام النعش وهو يقول: لا طاعة إلا طاعة الله؛ لما شاهد من كثرة الخلق، وازدحام الناس، وختم الناس عليه القرآن تلك الليلة، واليوم الذي يليها أكثر من ثلاثين ختمة، وبات الناس على قبره أكثر من شهرين، نفعنا الله به.
والألف في قول الناظم: كتبا في الشطر الأول بدل من التنوين، وفي الشطر الثاني للإطلاق، وكتبا الأول: جمع كتاب، وكتبا الثاني فعل ماض مبني للنائب.