الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      ولك في هذا أأنت أن تعتبره وبابه ولا تقس شا أنشره

      تعرض في هذا البيت إلى الألف المبدلة من الهمزة الثانية في باب: أأنت هل يوضع عليها المد على قراءة الإبدال أو لا يوضع، وباب أأنت هو ما اجتمع فيه همزتان مفتوحتان في كلمة ليست الثانية منهما همزة وصل نحو: أأنذرتهم ، أأعجمي ، أأرباب ، وقد ذكر الناظم فيه وجهين مبنيين على القول المختار في المتفقتين، وهو جعل الصورة للثانية: الوجه الأول أن تضع المد على الألف المبدلة من الهمزة الثانية قياسا على باب: آلآن وإلى هذا الوجه أشار بقوله: "ولك في أأنت أن تعتبره وبابه" أي: لك أن تعتبر في: أأنت ، وبابه حكم: آلآن المتقدم، فتضع المد على الألف في باب: [ ص: 291 ] أأنت قياسا على باب: آلآن إذ أبدل؛ يعني: ولك أن لا تعتبر فلا تضع المد على الألف في باب:0 أأنت ، وهذا هو الوجه الثاني، وبالوجه الأول جرى العمل.

      والسبب في هذين الوجهين مراعاة الأصل أو الحال، فإن روعي في باب: أأنت أصل الألف فلا يوضع عليها المد; لأن أصلها همزة متحركة، وإن روعي حالها: آلآن وضع المد عليها; لأنها حرف مد بعده سبب الإشباع، وفهم من قول الناظم: "في أأنت" وبابه أن هذا الحكم إنما هو فيما وقع بعد الهمزة المبدلة فيه ساكن، وأما ما وقع بعدها فيه متحرك وذلك: أألد ، و: أأمنتم في سورة "الملك"، فلا يوضع فيه المد؛ إذ لا سبب بعده. وقوله: "ولا تقس شا أنشره" بعده معطوف محذوف تقديره "وبابه" بدليل ما قبله.

      ويعني بذلك أن ما اجتمع فيه همزتان متفقتان في كلمتين، وأخذ فيه بقراءة من يبدل الثانية منهما حرف مد ووجد بعده ساكن؛ ك: شاء أنشره ، فإنك لا تضع فيه على حرف المد المبدل من الهمزة مدا أصلا، ولا فرق في عدم وضع المد بين المفتوحتين وغيرهما ك: هؤلاء إن كنتم أما من يراعي الأصل فعدم نزول المد عنده ظاهر، وإذا كان المد لا ينزل عنده فيما كان من كلمة واحدة فأحرى ما كان من كلمتين، وأما من لا يراعي الأصل بل ينظر إلى الحال فيفرق بين ما كان من كلمة وما كان من كلمتين بلزوم المد في الأول وصلا ووقفا، وعدم لزومه في الثاني؛ إذ لا وجود له في الوقف فيه.

      فإن قلت: قد تقرر عند أرباب هذا الفن أن النقط مبني على الوصل، فينبغي لذلك أن يجعل المد فيما كان من كلمتين لوجوده في الوصل، قلت: أجيب بأن الناظم كأنه رأى أن ذلك خاص بما بقي على أصله كالمحقق، أو نزل منزلته كالمسهل بين بين، أو بالبدل حرفا محركا، وأما ما خرج عن أصله بالكلية، فإنما يراعى فيه اتفاق حالتي الوصل والوقف، فلذلك منع قياسه على باب: آلآن ، ولو اتفق الوصل والوقف فإنما يراعى اتفاقهما عند من ينظر إلى الحال خاصة، ألا ترى إلى باب: أأنت مع اتفاق حالتي الوصل والوقف فيه لا يوضع فيه المد إذا روعي أصله كما تقدم.

      "واعلم" أن ما ذكره الناظم في هذا البيت هو من رأيه رحمه [ ص: 292 ] الله؛ إذ لم يتكلم من تقدمه في ذلك بوجه، وكلامه في ذلك صحيح، وفيه دليل على تمكنه في هذا الفن،

      التالي السابق


      الخدمات العلمية