الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      باب ورود حذف إحدى اللامين وهو مرجح بثاني الحرفين


      في اليل واللائي التي واللاتي     وفي الذي بأي لفظ ياتي

      أي: هذا باب ورود حذف إحدى اللامين عن كتاب المصاحف في ألفاظ مخصوصة، وهي المذكورة في البيت الثاني، وهذا من الناظم شروع في الكلام على حذف اللام [ ص: 153 ] بعد فراغه من الكلام على حذف الألف والياء والواو، وكأن وجه لحوق الحذف للام شبهها بالألف صورة، وقوله: وهو، أي: الحذف مرجح بثاني الحرفين، أي: في الثاني من اللامين على الأول منهما بمعنى أن كون المحذوف هو اللام الثاني راجح على كونه اللام الأول، ثم ذكر في البيت الثاني الألفاظ التي ورد فيها حذف إحدى اللامين بإجماع المصاحف، وجملتها خمسة:- اللفظ الأول: "الليل"، نحو: واختلاف الليل والنهار ، وهو كثير في القرآن.

      - اللفظ الثاني: "اللائي"، وقد وقع في أربعة مواضع:

      موضع في "الأحزاب"، وموضع في "المجادلة"، وموضعان في "الطلاق".

      - اللفظ الثالث: "التي". نحو: التي وقودها الناس والحجارة . وهو كثير في القرآن.

      - اللفظ الرابع: "اللاتي" نحو: واللاتي يأتين الفاحشة . وهو كثير أيضا.

      - اللفظ الخامس: "الذي" بأي لفظ يأتي من مفرد ومثنى وجمع نحو: الذي خلقكم والذين من قبلكم واللذان يأتيانها منكم أرنا اللذين أضلانا .

      واعلم أن ما ذكره الناظم من ترجيح حذف اللام الثانية في الألفاظ المذكورة هو مختار أبي عمرو .

      وأما أبو داود فاختار حذف اللام الأولى، فإذا ضبطت الألفاظ المذكورة على مختار أبي عمرو لم يجعل على اللام المرسومة فتحة، ولا شدة ولا تلحق الألف التي بعدها في: "اللائي" و: "اللاتي" لفقد المفتوح المشدد الذي شأنه أن تلحق الألف معه، وإذا ضبطت على مختار أبي داود فعلى العكس، وبمختار أبي عمرو جرى عملنا، وفهم من اقتصار الناظم على حذف إحدى اللامين في الألفاظ الخمسة أن ما عداها من الألفاظ التي فيها لامان متصلتان وارد على الأصل الذي هو ثبوتهما معا، وهو كذلك باتفاق المصاحف نحو: "الله". و: "اللهم"، و: "اللطيف". و: "اللؤلؤ"، و: "اللمم". و: "اللهو". و: "اللعب". و: "اللغو". و: "اللوامة". و: "اللعنة". و: "اللاعنون". و: "واللات والعزى" و: "من اللاعبين".

      نعم سكت الناظم عما جرى به العمل على مذهب النحاة من حذف إحدى اللامين من اسم الجلالة إذا جر باللام نحو: لله الأمر . لعدم ذكر أئمة الرسم له.

      وأما ألف بتشديد اللام فإنما يرسم بلام واحدة، وسكت عنه الناظم لمجيئه على الأصل فيه؛ إذ هو فعل ماض، قال أبو داود في "التنزيل" في سورة "الأنفال"، وألف [ ص: 154 ] بلام واحدة، ولا يجوز غير ذلك؛ إذ هو فعل، وإنما قيدته; لأني رأيت كثيرا من كتاب المصاحف وغيرها قد رسموه بلامين جعلوها مثل: الألف واللام اللتين تدخلان للتعريف في نحو "اللهو"، و: "اللعب"، وشبهها. اهـ.

      ومثل: "ألف": "ألفت" و: "لا تكلف"، وشبههما.

      مما اللام الأولى فيه، والثانية من كلمة واحدة تحقيقا.

      "تنبيه": الألفاظ الخمسة التي حذف منها كتاب المصاحف إحدى اللامين هي مما تنزلت فيه: أل منزلة الجزء للزومها لها إلا لفظ: "اليل". واقتصارهم على تلك الألفاظ الخمسة أوضح دليل على أنهم أجروها مجرى باب: "مد" و: "رد". في الرسم المدغم والمدغم فيه بحرف واحد، ولا يعكر عليه إثباتهم اللامين في اللات لإجرائهم له لما قل دوره على الأصل، ألا ترى إلى لفظ "اليل". حذفوا منه اللام مع أنه لم تتنزل "أل" منزلة الجزء منه حين كثر دوره وتماثل أكثر حروفه.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية