الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال الناظم:

      من صاد للختم فخلفه أتى في عبده تالي بكاف وبتا


      كلمة الطول وتأمروني     أعبد للشامي مزيد نون
      أشد منهم هاءه كافا قلب     والكوف أو أن يظهر الهمز جلب


      وسط مصيبة بما احذف فاء     للمدني والشام ثم هاء


      في تشتهي زاد وحسنا رسما     في الكوف إحسانا فأحسن بهما


      في خاشعا باقتربت قد اختلف     وواو ذو العصف بشامي ألف

      من هنا شرع الناظم في الرابع من: "الإعلان"، وأوله من سورة "ص" إلى الختم، وقد ذكر في هذا الربع بقية مواضعه التي اختلفت فيها المصاحف، وجملتها سبعة عشر موضعا ذكر منها في هذه الأبيات عشرة مواضع: الموضع الأول: عبده من قوله تعالى في سورة الزمر: أليس الله بكاف عبده ذكره في "المقنع" في باب ما اختلفت فيه مصاحف أهل الأمصار بالإثبات والحذف، فقال: وفي "الزمر" في بعض المصاحف: "بكاف عباده" بالألف، وفي بعضها: عبده بغير ألف.

      الموضع الثاني: لفظ: كلمة من قوله تعالى في سورة "الطور": "وكذلك حقت كلمات ربك" ذكره في "المقنع" فقال: وفي "المؤمن" في بعض المصاحف: "وكذلك حقت كلمات ربك"، بالتاء، وفي بعضها: كلمة ، بالهاء والباء من قول الناظم: "وبتا كلمة الطول" بمعنى "في".

      الموضع الثالث: تأمروني ، من قوله تعالى في "الزمر": قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ذكره في "المقنع" فقال: وفي "الزمر" في مصاحف أهل الشام : "تأمرونني أعبد" بنونين، وفي سائر المصاحف: تأمروني بنون واحدة. اهـ. وإنما أخر الناظم هذه عن "كلمة" "الطول" لمناسبتها لما عقبه بها في الخلاف الخالي عن النسبة.

      الموضع الرابع: منهم من قوله تعالى في سورة "المؤمن": كانوا هم أشد منهم قوة ذكره في "المقنع"، فقال: وفي "المؤمن" في مصاحف أهل الشام : "كانوا هم أشد منكم" بالكاف، وفي سائر المصاحف: أشد منهم بالهاء، وقول الناظم "قلب" مبني للفاعل، وضميره يعود على "الشامي".

      [ ص: 357 ] الموضع الخامس: أو أن يظهر من قوله تعالى في سورة "المؤمن": إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ذكره في "المقنع" فقال: وفيها أي: في سورة "المؤمن" في مصاحف أهل الكوفة : أو أن يظهر في الأرض الفساد بزيادة ألف قبل الواو، وروى هارون عن صخر بن جويرية وبشار الناقط عن أسيد أن ذلك كذلك في الإمام مصحف عثمان رحمه الله، وفي سائر المصاحف: "وأن يظهر" بغير ألف. اه. وإنما ترك الناظم ذكر ما نسبه في "المقنع" لمصحف سيدنا عثمان تقليدا لصاحب العقيلة في تركه.

      الموضع السادس: "بما" من قوله تعالى في "الشورى": "وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم" ذكره في "المقنع" فقال: وفي "الشورى" في مصاحف أهل المدينة والشام : بما كسبت أيديكم بغير فاء قبل الباء، وفي سائر المصاحف: فبما كسبت بزيادة فاء.

      الموضع السابع: تشتهيه من قوله تعالى: (وفيها ما تشتهيه الأنفس) قال في المقنع وفيها أي: في سورة "الزخرف" في مصاحف أهل المدينة والشام : ما تشتهيه الأنفس بهاءين، ورأيت بعض شيوخنا يقول: إن ذلك كذلك في مصاحف أهل الكوفة وغلط، وقال أبو عبيد : وبهاءين رأيته في الإمام، وفي سائر المصاحف: تشتهي بهاء واحدة، وخرج بالترتيب: ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم في "فصلت"، وقوله: "زادا" بألف بعد الدال هي ألف الاثنين؛ تعود على المدني والشامي.

      الموضع الثامن: حسنا من قوله تعالى في "الأحقاف": ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ، قال في "المقنع": وفي "الأحقاف" في مصاحف أهل الكوفة : "بوالديه إحسانا" بزيادة ألف قبل الحاء وبعد السين، وفي سائر المصاحف: حسنا بغير ألف. اه.

      وقول الناظم: "فأحسن بهما" تتميم للبيت، وضمير: "بهما" يعود على الوالدين.

      الموضع التاسع: "خاشعا" من قوله تعالى في سورة "القمر"، وهي "اقتربت" "خاشعا أبصارهم" قال في "المقنع": وفي "اقتربت" في بعض المصاحف "خاشعا" بالألف، وفي بعضها: خشعا بغير ألف.

      الموضع العاشر: ذو العصف في سورة "الرحمن" قال في "المقنع": وفي "الرحمن" جل وعز في مصاحف أهل الشام : والحب ذو العصف والريحان بالألف والنصب، وفي [ ص: 358 ] سائر المصاحف بالواو والرفع. اه. ثم قال الناظم:

      وإثر شين المنشآت الألف     وفي العراق الياء منها خلف


      وياء ثاني ذي الجلال الشام رد     واوا وضم النصب في كلا وعد


      واحذف ضمير الفصل من هو الغني     من مصحف الشامي كذاك المدني


      وخلف قال إنما أدعوا ألف     ثاني قواريرا ببصر مختلف


      ولا يخاف عوض الواو بفا     للمدني والشام والآن وفى


      فالحمد لله على حسن الختام     وللنبي أنهي صلاتي والسلام

      ذكر في هذه الأبيات الباقي من المواضع السبعة عشر، وقد تقدم منها عشرة.

      والموضع الحادي عشر: المنشآت من قوله تعالى في سورة "الرحمن": "وله الجوار المنشآت" ذكره في "المقنع" في باب ما حذفت منه إحدى الياءين اختصارا، فقال: ووجدت في مصاحف أهل العراق: و: المنشآت في "الرحمن" بالياء من غير ألف، وكذلك رسمه الغازي بن قيس في كتابه، وذلك على قراءة من كسر الشين، كأنهم لما حذفوا الألف أثبتوا الياء.

      والموضع الثاني عشر: ذو الجلال من قوله تعالى آخر السورة المذكورة: تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ، قال في "المقنع": وفيها؛ أي: في سورة "الرحمن" في مصاحف أهل الشام : "ذو الجلال والإكرام" آخر السورة بالواو، وفي سائر المصاحف: ذي الجلال بالياء، والحرف الأول في كل المصاحف بالواو. اه.

      والمراد بالأول قوله تعالى: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ، وعنه احترز الناظم بالتقييد بالثاني.

      والموضع الثالث عشر: "كل" من قوله تعالى في سورة "الحديد": وكلا وعد الله الحسنى قال في المقنع: وفي الحديد في مصاحف أهل الشام : (وكل وعد الله الحسنى) بالرفع، وفي سائر المصاحف: وكلا بالنصب. اه.

      ولا يخفى أن الرفع في لفظ "المقنع" عبارة عن سقوط الألف بعد اللام، والنصب عبارة عن وجودها، وهكذا عبارة بيت الناظم، والضمير الفاعل في قول الناظم ضم؛ عائد على [ ص: 359 ] المصحف الشامي.

      والموضع الرابع عشر: "هو" من قوله تعالى في السورة المذكورة: ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ، قال في "المقنع": وفيها أي: في "الحديد" في مصاحف أهل المدينة والشام : "فإن الله الغني الحميد" بغير "هو"، وفي سائر المصاحف: هو الغني الحميد ، بزيادة هو.

      والموضع الخامس عشر: قال من قوله تعالى في سورة "الجن": قل إنما أدعو ربي قال في "المقنع": وفي: قل أوحي في بعض المصاحف: قل إنما أدعو ربي بغير ألف، وفي بعضها: "قال إنما أدعو ربي" بألف، قال أبو عمرو: قال الكسائي: هو في الإمام: قل قاف ولام. اه.

      وقد اعتمد الناظم في تعيين محل الخلاف من هذه الآية على الشهرة، وقوله: "ألف" بضم الهمزة وكسر اللام بمعنى "عهد".

      والموضع السادس عشر: "قواريرا" من قوله تعالى في سورة "الإنسان" "قواريرا من فضة" ذكره في "المقنع" في باب ما رسم بإثبات الألف على اللفظ أو المعنى، فقال: قال أبو عبيد : وقوله: سلاسلا ، و: "قواريرا قواريرا"، الثلاثة الأحرف في مصاحف أهل الحجاز والكوفة بالألف، وفي مصاحف أهل البصرة : "قواريرا" الأولى بالألف والثانية بغير ألف، ثم ذكر أبو عمرو بسنده إلى خلف أنه قال: في المصاحف كلها الجدد والعتق: "قواريرا" الأولى بالألف، والحرف الثاني: "قواريرا" فيه اختلاف، فهو في مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة : "قواريرا، قواريرا" جميعا بالألف، وفي مصاحف أهل البصرة الأول بالألف، والثاني: "قواريرا" بغير ألف، قال أبو عمرو: وكذلك مصاحف أهل مكة، وروى محمد بن يحيى القطعي عن أيوب بن المتوكل قال: في مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة، وأهل مكة وعتق مصاحف أهل البصرة : "قواريرا، قواريرا" بألفين، قال أبو عمرو : ولم تختلف مصاحف أهل الأمصار في إثبات الألف في: "الظنونا"، و: "الرسولا"، و: "السبيلا"، و: سلاسلا واختلفت في: "قواريرا، قواريرا" ثم ذكر أبو عمرو بسنده إلى أبي إدريس أنه قال: في المصاحف الأول الحرف الأول والثاني يعني "قواريرا، قواريرا" بغير ألف اه.

      ولما تكلم الجعبري على قول أبي القاسم الشاطبي في عقيلته: (سلاسلا وقواريرا معا ولدى البصري في الثاني خلف سار مشتهرا) ونقل كلام [ ص: 360 ] المقنع هذا قال: وإذا تأملت هذه النقول وجدت النظم ناقصا عن الأصل؛ حذف ألف: "قواريرا" الأول وضم المكي إلى البصري اه. وكأن الشاطبي اعتمد من كلام المقنع ما هو مشهور كما أشار إلى ذلك بقوله "سار مشتهرا" وإياه قلد الناظم في قوله "ثاني قواريرا ببصر مختلف" على أنه لا يبعد أن يراد بثاني قواريرا في هذا البيت الألف الثاني في الكلمتين احترازا من الأول وهو الذي بعد الواو ولا يقبل كلام الشاطبي هذا الاحتمال.

      والموضع السابع عشر: فلا يخاف من قوله تعالى: "فلا يخاف عقباها" قال في "المقنع": وفي "الشمس" في مصاحف أهل المدينة والشام: "فلا يخاف" بالفاء وفي سائر المصاحف: ولا يخاف بالواو اه.

      "تنبيه": أهمل الناظم في هذا النظم نوعين مما تعرض له صاحب "المقنع" وصاحب "العقيلة" أحدهما: الخلافيات التي لم يقرأ واحد من الأئمة السبعة بما يطابقها; لأن النظم لم يقصد به التعرض لمطلق خلافيات المصاحف بل لما يطابق قراءة بعض السبعة؛ وذلك نحو: والجار ذي القربى فإنه في بعض المصاحف بالألف بعد الذال عوض الياء، ونحو: "رياشا" في "الأعراف" فإنه في بعض المصاحف بالألف بعد الياء مع أن القراء السبعة مجمعون على ترك الألف. ثانيهما: فمواضع أجمعت المصاحف عليها واختلفت القراء فيها لم يذكرها الناظم اكتفاء بالضابط المتقدم في قوله صدر النظم.


      وما خلا عن خلفها فمفرد     كنافع لكن يراعى المورد

      وذلك نحو: فخراج ربك خير فإنه في جميع المصاحف بألف بعد الراء، والقراء مختلفون في ثبوتها، وقد تقدم استطراد هذا آخر الجزء الثاني من "الإعلان" ونحو: "الظنونا"، و: "الرسولا"، و: "السبيلا"، و: سلاسلا ، و: "ثمودا" في "هود" و: "الفرقان" و: "العنكبوت"، فإن الكلم السبع مختتمة في جميع المصاحف بالألف، وقد اختلف القراء في ثبوتها وصلا ووفقا. وحين كمل للنظام مقصوده من النظم المتضمن بقايا خلافيات المصاحف في الرسم، أخبر أن هذا أوان وفاء الإعلان بتكميل مورد الظمآن.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية