الرجال يأتي أحدهم بالبيت وآخر بالرحا وآخر بالبغل فيشتركون على أن ما أطعم الله بينهم بالسوية قلت : أرأيت إن ؟ قال : يقسم المال بينهم أثلاثا إن كان كراء البيت والدابة والرحا معتدلا قلت : فإن كان مختلفا قال : يقسم المال بينهم أثلاثا ، لأن رءوس أموالهم عمل أيديهم ، فقد تكافئوا فيه . ويرجع من له فضل كراء في متاعه على صاحبه . قلت : فإن لم يصيبوا شيئا ؟ اشتركنا ثلاثة نفر : لي بيت ولصاحبي الرحا ولصاحبي الآخر [ ص: 597 ] البغل على أن ما أصبنا من شيء فهو بيننا سواء . وجهلنا أن يكون هذا غير جائز ، فعملنا على هذا فأصبنا مالا قال : يترادون الفضل فيما بينهم ، ويرجع بذلك بعضهم على بعض ، إن لم يصيبوا شيئا بفضل الكراء ، وهو عندي مثل ما قال في مالك . قال الرجلين يشتركان ، يأتي أحدهما بمائة درهم والآخر بخمسين درهما ، على أن الربح بينهما بنصفين : لا خير فيه ويقسمان الربح على قدر رءوس أموالهما ، ويقام لصاحب الخمسين الزائدة عمله في خمسة وعشرين درهما . لأن الخمسين الزائدة عملا فيها جميعا ، فعمل صاحب الخمسين الزائدة في خمسة وعشرين منها ، وعمل صاحبه في خمسة وعشرين منها من الخمسين الزائدة ، فله أجرة مثله فيما عمل . فإن لم يربحا ووضعا ، كانت الوضيعة عليهما على قدر رءوس أموالهما ، ويكون لصاحب الخمسين أجر عمله في الخمسة والعشرين الزائدة التي عمل فيها . قال : ولقد سألنا مالك عن مالكا . قال الرجل يأتي بالرحا ويأتي الآخر بالدابة ، يعملان جميعا ، على أن ما اكتسبا فهو بينهما : لا خير في ذلك ، فلما قال مالك : لا خير في ذلك ، فسرنا ما سألتنا عنه من المسألة التي كرهها مالك . قلت : أرأيت إن مالك ؟ قال : العمل كله لصاحب الدابة الذي عمل ، وعليه أجر الرحا والبيت . قلت : وإن لم يصب شيئا ؟ قال : نعم ، وإن لم يصب شيئا . اشتركوا على أن الرحا من أحدهم والبيت من آخر والدابة من آخر ، على أن على رب البغل العمل فعمل على هذا
قلت : لم جعلت جميع العمل لهذا الذي شرطوا عليه العمل ، ولم تجعل أصحابه معه شركاء في الرحا والبيت ، وقد أشركت بين الذين عملوا بأيديهم في المسألة الأولى ؟ قال : لأن أولئك لم يسلم بعضهم إلى بعض ما في يديه ، وكان بعضهم آجر بعضا سلعته ، على أن اشتركوا في العمل بأيديهم . وأن هذا الذي سألت الذي شرط عليه العمل وحده ولم يعمل أصحابه معه ، أسلم إليه الرحا والبيت فعمل بها ، فهو كأنه أعطى رحا وبيتا ، وقيل له اعمل فيه ، على أن لك نصف ما تكتسب ولنا النصف أو الثلث ، فإنما هو استأجر هذه الأشياء بثلث أو بنصف ما يكتسب فيها . فالإجارة فاسدة فعليه أجرة مثلها .
قال : وقال في مالك ، قال : ما أصاب على الدابة أو السفينة فهو له ، ويعطي رب الدابة أجر مثلها . فالرحا والبيت عندي مثل الدابة التي يعمل عليها على النصف عند الرجل يدفع إلى الرجل دابته أو سفينته ، يعمل عليها على أن نصف ما يكسب عليها . [ ص: 598 ] وإنما قسمت المال في هذه المسألة على الأبدان ، وجعلت الأبدان رءوس أموالهم . لأن ما أخرجوا من المتاع له أجرة ، وقد تكافئوا في عملهم بأيديهم . فإذا كان إجارة ما أخرجوا من المتاع معتدلا ، فقد أكرى كل واحد منهم متاعه بمتاع صاحبه ، وكانت الشركة صحيحة . مالك
ألا ترى لو أن هؤلاء الثلاثة أرادوا أن يشتركوا - والمتاع من عند أحدهم - فاكتروا منه ثلثي ما في يديه ، لجازت شركتهم إذا اعتدلت هذه الأشياء بينهم ؟ فكذلك إذا كان لكل واحد منهم شيء على حدة ، وكراؤهم معتدلا ، أن كل واحد منهم كأنه أكرى متاعه بمتاع صاحبه ، وإن كان مختلفا أعطى من له فضل ما بقي من فضله ، ولم تكن الدواب رءوس أموال مثل الدنانير والدراهم إذا اختلفت ، بأن يخرج هذا مائتين وهذا مائة ويكون الربح بينهما شطرين والوضيعة كذلك ، فيكون الربح لرأس المال لأنه مما لا يجوز أن يؤاجر والرجال يؤاجرون ، فيقسم الفضل على المال ويعطي الرجال الذين تجوز إجارتهم عمل مثلهم ، فيما أعانوا من له الفضل في رأس ماله ، كان في ذلك ربح أو وضيعة . أو لا ترى لو أن صاحب المائتين ، شرط على صاحب المائة العمل لكان فاسدا .
فإن وقع فضل أو كانت وضيعة ، فعلى المال وللمال ، لأنه لا يؤاجر وهو رأس المال . وأعطى العامل أجرة مثله فيما عمل في صاحب المائتين ؟ أو لا ترى أن الذين اشتركوا بأيديهم وأخرجوا الرحا والبيت والبغل ، لما شرطوا العمل على رب البغل ، كان الربح له والوضيعة عليه وكان عليه أجر الرحا والبيت ، لأن لهم أجره وصار عمله كأنه رأس المال ؟ وهذا مذهب أصل قول مالك