الوجه الحادي عشر: أن كثيرا من المسلمين من الصفاتية الذين يقولون: إن الرب فوق العالم وفوق العرش ويقولون: إنه لا يجوز عليه الحركة والانتقال، ولا يتصور أن يتيامن أو يتياسر فضلا عن أن يكون خاليا عن صفة العلو، فيكون ما قدرته في حق الباري ممتنعا، بل أصحابك الذين يقولون إنه فوق العرش يقولون بذلك وإذا كان هذا التقدير ممتنعا عندهم [ ص: 176 ] كان أدنى أحواله أن يكون- كما ادعيته من علو الجهة أنها عالية لذاتها لا يمكن فرضها خالية عن هذا العلو، فكيف وقد تقدم بيان أن الأمر ليس كذلك. وإذا كان على أسوأ التقديرين يكون كل منهما مما يمنع زواله، فيكون علو كل منهما لذاته بل إن امتنع عليه الحركة والزوال امتنع تحوله عن العلو، فإذا كنت في هذا المقام لو أشركت بالله فجعلت الجهة له عدلا وشبها في مشاركتها له في العلو الذاتي لكان هذا الإشراك خيرا من أن يفضل علو الجهة على علوه، ويجعل علوها بنفسها وعلوه بها. فلا يكون علو الجهة أكمل من علو الله، ولا يكون مستكملا بها،
يتبين أن الذي قلته أقبح من هذا الشرك ومن جعل الأنداد لله كما أن جحود فرعون الذي وافقتموه على أنه ليس فوق السماوات رب العالمين إله موسى جحوده لرب العالمين، ولأنه في السماء كان أعظم من شرك المشركين الذين كانوا يقرون بذلك ويعبدون معه آلهة أخرى كحصين الخزاعي لما كان مشركا وأمثاله، الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " فلا ريب أن شرك هذا أخف من جحود كم تعبد اليوم [ ص: 177 ] إلها؟" قال: سبعة آلهة: ستة في الأرض وواحد في السماء. فرعون مع أن هذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: فهو يعتقد أن الإله الذي في السماء أعظم من تلك [ ص: 178 ] الآلهة. فأنتم لم ترضوا أن تجعلوا علو الله أكمل من علو غيره، ولا جعلتموه مثل علوه، بل جعلتم علو الغير أكمل من علوه، وهو يحتاج إلى ذلك الغير، الذي هو مستغن عنه. وكل هذا إفك وبهتان على رب العالمين. " فمن الذي تعد لرغبتك ورهبتك؟" قال الذي في السماء.