الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبينا أن " الحدود " لا تفيد إلا لتمييز بين المحدود وغيره. لا تفيد المستمع تصور ما لم يتصوره بدونها، وأن التصورات لو لم تعلم إلا بالحدود لأفضى إلى الدور، ولأن الحاد يجب أن يتصور المحدود قبل أن يحده، وأن الحد من باب الأقوال والعبارة، والقول لا يفيد المستمع إن لم يكن متصورا لمفردات الكلام قبل ذلك بنفسها أو بنظيرها، إذ العلم بالمعنى الذي قصده [ ص: 568 ] المخاطب يفتقر إلى العلم بأن اللفظ دال على المعنى موضوع له، والعلم بكون اللفظ موضوعا للمعنى يقف على العلم بالمعنى وباللفظ، فلا يجوز أن يكون تصور ذلك المعنى مستفادا من اللفظ الذي لا يدل إلا بعد أن يعلم المعنى، وأن اللفظ موضوع له ودال عليه، ولأن المعرف للمفرد بالقول إما أن يعرفه بلفظ مفرد مطابق له وهو الاسم، أو يعرفه بذكر صفة مخصوصة به، ولفظ تلك الصفة بمنزلة الاسم في العموم والخصوص كالناطق والإنسان، وإما أن يعرفه بذكر الخاص بعد العام، فتصور العام وشموله لتلك الأفراد مسبوق بتصور تلك الأفراد، فلو كان تصور تلك الأفراد مستفادا من العام لزم الدور، إذ علم المتكلم والمستمع بأن الإنسان حيوان مسبوق بتصور الإنسان والحيوان، إذ لا يعلم أن الإنسان حيوان إلا من يعلم الإنسان، ولا يعلم أن الحيوان جسم إلا من يعلم الحيوان والجسم، فلو كانت معرفة الإنسان لا تستفاد إلا بعد معرفة الحيوان، ومعرفة الحيوان لا تعلم إلا بعد معرفة مفرداته التي يوصف بها لزم الدور، وذلك أن الأجناس الكلية، ولا وجود لها كلية إلا في [ ص: 569 ] الأذهان، والذهن إنما يجردها إذا أحس بها معينة موجودة مشخصة في الخارج؛ لكن يقال: إنه قد ينتزعها من بعض الأعيان مثل أن يتصور الحيوان من جهة معرفته بالفرس، ولا يتصور كون الإنسان هو أيضا كذلك، فيقال له: ذلك المعنى الذي يوصف به الفرس يكون نظيره للأمر الذي يحد لك وهو الإنسان؛ لكن هذا أيضا يلزم الدور؛ فإنه ليس علم الإنسان بانطباق بعض الأنواع بأنه حيوان أولى من العلم باتصاف النوع الآخر به.

وأهل هذه الحدود لا يقولون: المحدود هو نوع الإنسان دون الفرس ولا بالعكس؛ بل الحدود لهذه الأنواع كلها سواء، بل علم الإنسان عندهم بنفسه وبنوعه وبصفاته هي عنده أسبق وأظهر من علمه بصفات غيره من الأنواع، وبالجملة فليس هذا موضع هذا.

وإنما المقصود هنا أنا لا نجيب بذلك الجواب بل نقول: هب أن العلم بأنه فوق إذا كان فطريا ضروريا كان العلم بوجود نفسه أن يكون فطريا ضروريا أولى. فأي محذور في ذلك؟.

قوله: المشهور عند النظار أن العلم بالصانع إنما يحصل [ ص: 570 ] بالنظر والاستدلال، وهو ترتيب الأقيسة العقلية.

التالي السابق


الخدمات العلمية