الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الرابع: هب أن القبول أمر عدمي، فقوله: يمتنع تعليله، قيل: المراد بالتعليل هنا التلازم، ليس المراد به أن يكون أحد الأمرين غنيا عن الآخر موجبا له، وبهذا الاعتبار يصح أن يكون كل من الأمرين لازما ملزوما.

[ ص: 353 ] فقد تبين بهذه الوجوه الثلاثة أن التقسيم لزوم لا قبول، ولو كان قبولا لم يكن عدميا، ولو كان عدميا فمعناه أن الموجود لا بد له من أن يكون مع غيره من الموجودات: إما محايثا له، وإما مباينا له، وهذا لازم لكون الموجود إما قائم بنفسه، وإما قائم بغيره، وكل قائم بنفسه فهو مباين للقائم بنفسه، وكل قائم بغيره فهو محايث لذلك الغير، ولما شاركه في القيام بذلك الغير.

وأما السؤال الثالث: فقوله: " ما الذي تريدون بقولكم: الموجود في الشاهد منقسم إلى المحايث والمباين، فعنه جوابان: أحدهما: أن يقال له: لم يقولوا هكذا، وإنما قالوا: الموجودان لا بد وأن يكون كل منهما مباينا للآخر، أو محايثا له. والموجود بنفسه مع الموجود الآخر إما مباينا له أو محايثا له، لم يقولوا: إن الموجودات تنقسم إلى قسمين: أحدهما: مباين، والآخر محايث. وفرق بين كون الموجود بالنسبة إلى غيره يلزمه أحد الأمرين وبين كون الموجود ينقسم إلى الأمرين، وإذا كان كذلك فلزم أحد الأمرين حكم واحد ليس هو حكمين [ ص: 355 ] مختلفين، والفرق ظاهر بين أن يكون الموجود ينقسم إلى قائم بنفسه مباين لغيره، وهو الجوهر، وإلى قائم بغيره محايث له، وهو العرض، وبين أن يقال: كل موجود مع غيره فلا بد أن يكون مباينا له أو محايثا له، أو يقال: الموجود من حيث هو موجود يلزمه أن يكون قائما بنفسه أو بغيره، فإن هذا حكم واحد لموجود، وذاك حكمان مختلفان. فهذا الواحد هو ما به الاشتراك وهو مورد التقسيم، وذانك الاثنان هما ما به الامتياز وهو ما به يمتاز أحد القسمين عن الآخر بالحكم الواحد المشترك، وهو لزوم أحدهما، والانقسام إليهما يلزم الوجود المشترك، والحكم المختص يلزم القسم الخاص، فخصوص كونه قائما بنفسه حكم النوع الخاص وهو الجوهر، وخصوص كونه قائما بغيره حكم النوع الآخر الخاص وهو العرض، ولا ريب أن خصوص كونه جوهرا وعرضا يصلحان لما يختص بالجوهر والعرض، وأما لزوم أحد الحكمين لكل موجودين أو كل موجود، وكون الموجود والموجودين لا يخلو عن أحد هذين الوصفين، فهذا الحكم المشترك بينهما لا يصلح تعليله بخصوص الجوهر وخصوص العرض، وهذا ليس هو أن الموجود في الشاهد منقسم إلى هذين القسمين، فليس هو قسمة الكل إلى أجزائه، فظهر أن الذي قالوه ليس بغلط، ولكن هو [ ص: 356 ] غلط غالط.

وهذا مثل أن يقال: الموجود لا بد أن يكون إما قديما أو محدثا، وإما أن يكون خالقا، وإما أن يكون مخلوقا. فإن هذا يختص بالموجود، فالمعدوم لا يكون قديما ولا محدثا، ولا خالقا ولا مخلوقا، فلزوم أحد القسمين حكم مشترك بينهما، والموجود من حيث هو مشترك بينهما.

الجواب الثاني: أن يقال: هب أنهم قالوا: الموجود في الشاهد ينقسم إلى المحايث والمباين، فإن انقسام الشيء إلى قسمين حكم واحد، ولكن ما يخص أحد القسمين حكم يخالف الآخر، فهب أن وجوب المباينة معلل بكونه جوهرا، ووجوب المحايثة معلل بكونه عرضا، لكن القدر المشترك وهو لزوم الانقسام وقبوله، ووجوب الانقسام إلى جوهر وإلى عرض حكم مشترك بينهما، وهذا الحكم المشترك يجب تعليله بالقدر دون الحكم المختص، لأن وجوب الانقسام ولزومه وقبوله وكونه بحيث ينقسم إلى قسمين هو مورد التقسيم، ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام، فيجب تعليله بالمشترك، فالمقسوم هو الموجود من حيث هو، لا وجود الجوهر خاصة ولا وجود [ ص: 357 ] العرض خاصة، والموجود وإن لم يكن في الخارج إلا متميزا فهذه قسمة الكلي إلى جزئياته، فهذا حاله بخلاف الكلي الموجود في الخارج: كالإنسان مثلا إذا قسم إلى أجزائه من الرأس واليد ونحو ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية