الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فقوله: بعد ذلك: " إما أن تكون متماثلة في الماهية أو مختلفة، والأول محال، لأنه على هذا التقدير يكون بعض تلك الأجزاء المتماثلة متباعدة وبعضها متلاقية والمثلان يصح على كل واحد منهما ما يصح على الآخر فيلزم القطع بأنه يصح على المتلاقيين أن يصيرا متباعدين، وعلى المتباعدين أن يصيرا متلاقيين".

يقال: التماثل في الماهية لا يوجب أن يكون أحدهما عين الآخر ولا أن يساويه في الأحكام اللازمة للتعيين وما يتبع ذلك.

وبيان ذلك أنه إن قيل المتماثلان يجوز على عين كل منهما [ ص: 87 ] ما يجوز على عين الآخر، فليس في العالم شيئان متماثلان بهذا الاعتبار. فإن عامة ما يقدر من المتماثلين مثل الحبتين من الحنطة والهبائين ونحو ذلك قد علم أن عين هذا ليست عين هذا وأن الحيز الذي لهذه العين ليس عين الحيز الذي للعين الأخرى، ولا الأعراض التي قامت بها هي عين تلك الأعراض، وأن ما امتازت به أحدهما عن الأخرى من عينها وصفتها وحيزها لا يجوز أن يكون للأخرى حيز يكون لتلك، فإن هذا يستلزم أن يصير عين هذه عين تلك وحيزها حيزها وصفتها صفتها بعينها، وذلك يرفع تعددهما ويوجب اتحادهما.

[ ص: 88 ] ومن المعلوم أن التماثل يوجب التعدد، فإن المتماثلين ليسا شيئا واحدا بل هما عدد. فإذا كان التماثل يوجب التعدد فلو اقتضى اتحاد عينهما لكان التماثل يوجب الاتحاد ويوجب التعدد، وذلك يقتضي الجمع بين النقيضين، فإن العدد إثبات ما زاد على الواحد، والاتحاد نفي ما زاد على الواحد، والجمع بين النفي والإثبات جمع بين النقيضين، فعلم أن إثبات كون عين هذا المثل هو عين ذلك المثل أو كونه في حيزه وصفته ينافي التماثل وهذا ظاهر.

وإذا كان كذلك فمعلوم أن الجسم الواحد الذي يقال له: إن له أبعاضا وأجزاء كالجوانب والوسط إذا فرض في غاية البساطة التي توجب تماثل أبعاضه وأجزائه كالنار البسيطة والهواء البسيط والفلك البسيط وما هو أعظم بساطة من ذلك لا بد أن يتميز [ ص: 89 ] جوانبه عن وسطه لا بد أن يتميز جانب عن جانب ولو بالحيز والصفة وأنه مع مماثلته للجانب الآخر لا يستلزم أن يكون هذا في حيز ذاك وذاك في حيز هذا وعين صفة هذا عين صفة الآخر، كما لا يستلزم أن يكون عينه عين الآخر إذ لا بد من امتياز أحدهما عن الآخر بعينه وصفته وحيزه، وهذا يخصه دون الآخر. والامتياز الذي يوجبه التعدد لا يرفعه التماثل، فلو جوزنا أن يصير لكل منهما للآخر من أعيان الصفات والأحياز لزم زوال التعدد.

[ ص: 90 ] وإذا كان لا بد من هذا الامتياز مع التماثل فما هو لازم للشيئين المتغايرين مع تماثلهما ومع اختلافهما من امتياز أحدهما على الآخر بعين ذاته وعين صفاته التي منها التحيز لا يجب أن يشاركه الآخر فيها لأن ذاك يرفع المغايرة. وإذا كان كذلك لم يجب في كل جسم مخلوق وإن كان بسيطا أن يكون طرفه في موضع وسطه، ووسطه في موضع طرفه، وما لهذا من الصفة المعينة والحيز المعين لهذا وما لهذا لهذا، لاسيما إذا لم تكن تلك الأبعاض المتماثلة منفصلة ولا يتميز بعضها عن بعض بالمباينة وإنما هو شيء واحد متصل.

التالي السابق


الخدمات العلمية