الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فإن قيل: هذا أو قبوله إنما كان علة للأمر الموجود، لأنه يستلزم أمرا وجوديا كان ذلك الوجود هو جزء العلة في الحقيقة، فلا يكون علة الرؤية إلا الوجود أو لوازم الوجود لا يكون ما يستلزم العدم أو قبوله، وإذا لم تكن العلة ما يستلزم العدم أو قبوله بطل أن يكون علة الرؤية الحدوث أو شيئا يختص بالمحدثات أو ببعضها أو الإمكان أو وصفا يختص بالممكنات أو ببعضها، ووجب أن يكون قدرا مشتركا بين القديم والمحدث بين الواجب والممكن، بل أن يكون القديم الواجب أحق به فإنه إن كان هو الوجود فظاهر، وإن كان شيئا من لوازم الوجود فذلك الوصف متى انتفى انتفى الوجود، فلا يكون ثابتا إلا بثبوت الوجود، ومن المعلوم أن الوجود وجميع لوازم الوجود مشتركة بين الواجب والممكن والقديم والمحدث. وإذا كان كذلك ثبت أن المقتضي للرؤية أمر ثابت في حق الله تعالى القديم الواجب [ ص: 336 ] الوجود، فتكون رؤية الله جائزة، بل تكون أحق بجواز الرؤية، لأن وجوده أكمل من وجود غيره.

ومن فهم هذه الحجة على هذا الوجه ظهر له أنها برهانية، وأمكنه دفع تلك السؤالات الكثيرة التي تورد إذا ذكرت على هذا النظم. ولولا أن هذا ليس موضع ذلك، وإلا كنا نفعل ذلك مفصلا، لكن: فالجواب عما أورده على هذه الحجة في احتجاج ابن الهيصم بها في مسألة العلو، فظهر أصل الجواب في مسألة الرؤية، وقد ظهر أن حجة ابن الهيصم لم يقررها هو تقريرا جيدا.

فإذا أردت تلخيص هذه الحجة فقل: الرؤية مختصة بالموجود دون المعدوم، وهذا الاختصاص إما أن يكون للموجود أو لما يساويه في العموم والخصوص، أو لما هو أعم منه أو لما هو أخص منه. فإن جازت لموجود أو لما [ ص: 337 ] يساويه أو لما هو أعم منه جازت رؤية كل موجود لثبوت الوجود، أو ما يساويه، أو ما هو أعم منه لكل موجود، وإن كان لما هو أخص من الوجود، فإذا كان لما يندرج في الواجب جاز رؤيته أيضا لوجود نقيضها، وهو الوصف الذي يوجد للواجب وغيره، وإن كان لا يندرج فيه الواجب فما سوى الواجب فهو محدث عند أهل الملل، قد كان معدوما، وهو قابل للعدم بلا نزاع، فيكون المقتضي للرؤية لا بد أن يشترط فيه العدم أو قبوله ولا يجوز ذلك، لأن الأمور الوجودية لا يشترك في علتها العدم ولا قبول العدم، وطرد هذه الحجة يوجب ثبوت كل أمر وجودي.

ويقال على هذا: جميع النقائص التي يجب تنزيهه تعالى عنها، فإنما هو لاستلزامها العدم، وأما الوجود من حيث هو وجود فهو كمال فلا يجوز نفيه عنه، وهذه الطريق توافق قول من يقول: الكمال وهو الوجود وتوابعه وهو الخير. والشر عدم الوجود وعدم كماله، وبها يمكن أن نثبت جميع الصفات كالسمع والبصر والكلام، فإنها وجود ليس فيها عدم، والنقائص التي هي ضد هذه فيها العدم وهو عدم هذه الأمور.

التالي السابق


الخدمات العلمية