وأما الكرامية فهم في لم يظهر خطؤهم على التقديرين جميعا، وفي مسألة الجسم إنما يكونون مخطئين على قول الأولين فقط، إذ الآخرون من مسألة كونه على العرش الأشعرية يوافقونهم على أن العلو يستلزم التجسيم، وظهر بذلك أن كل ما تنازع فيه هؤلاء لم يظهر فيه نفي أن يكون الله على العرش، وذلك لأن هذا هو الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو القائل سبحانه وتعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله [الصف: 9] الآية ودين الحق الذي بعث به رسوله ظاهر على كل تقدير.
[ ص: 300 ] وأيضا: فإن هذا معلوم بالفطرة والبديهة، وقد ظهر بذلك أن متقدمي الأشعرية وأئمتهم هم أولى بالحق والصواب من متأخريهم، وإن كان في قولهم ما يذكر أنه خطأ. فالخطأ الذي مع المستأخرين أعظم وأكثر، وهذا لأن الكلام الذي فيه بدعة كلما كان أقرب إلى الفطرة والشرعة كان أقرب إلى الهدى ودين الحق، وكلما بعدت البدعة عن ذلك تغلظت.
وهذا مما يبين أن فطر الناس وبدائههم ممن ليس به هوى ولا تقليد، سواء كان في الأمراء أو الملوك أو غيرهم، فإنهم يعرفون بفطرتهم وبديهة عقولهم أن ما ذكره من أنه لا داخل العالم ولا خارجه إنما هو صفة المعدوم، وأن الموجودين لا بد أن يكون أحدهما قائما بالآخر محايثا له، أي يكون حيث هو يكون أو يكون مباينا له منفصلا عنه في جهة غير جهته.