وقد قدمنا أن كلا النوعين يوجب فإن كونه ( أحدا ) يوجب أن لا يشرك به في العبادة ولا الاستعانة فلا يدعى غيره. والاسم ( الصمد ) جاء معرفا ليبين أنه هو الصمد الذي يستحق أن يصمد إليه بكلا نوعي الصمد، وهذان الاسمان لم يذكرا في القرآن إلا في هذه السورة التي قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنها تعدل ثلث القرآن، مثل ما روي عن اختصاص الرب سبحانه وتعالى بأنه الأحد، وبأنه الصمد، قال: أبي سعيد الخدري قل هو الله أحد ثلث القرآن" رواه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأصحابه أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة، فشق ذلك عليهم، وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ [ ص: 540 ] قال: البخاري.
وروي عنه أيضا عن " قتادة بن النعمان قل هو الله أحد يرددها لا يزيد عليها، فلما أصبح أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن فلانا بات الليلة يقرأ من السحر: قل هو الله أحد . يرددها لا يزيد عليها. كأن الرجل يتقالها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فوالذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن". أن رجلا كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر
وروى عن مسلم قال: أبي هريرة، قل هو الله أحد [ ص: 541 ] حتى ختمها". وروى " خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأ عليكم ثلث القرآن، فقرأ أيضا عن مسلم أبي الدرداء، قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن". وعن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: عائشة قل هو الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سلوه لأي يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: إنها صفة الرحمن عز وجل، فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه" رواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ: البخاري ومسلم.
وقد قال من قال من العلماء: " هي ثلث القرآن، لأن القرآن ثلاثة أقسام: قسم توحيد، وقسم قصص، وقسم أمر ونهي. وهذه فيها التوحيد". وهذا الذي قاله إنما يتم إذا كانت [ ص: 542 ] جامعة للتوحيد. والأمر كذلك، فإن هذين الاسمين يستلزمان سائر أسماء الله الحسنى، وما فيها من التوحيد كله قولا وعملا، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذين الاسمين، فقال: " الله الواحد الصمد تعدل ثلث القرآن"، وذلك أن كونه أحدا وكونه الصمد يتضمن أنه الذي يقصده كل شيء لذاته، ولما يطلب منه، وأنه مستغن بنفسه عن كل شيء، وأنه بحيث لا يجوز عليه التفرق والفناء، وأنه لا نظير له في شيء من صفاته ونحو ذلك مما ينافي الصمدية، وهذا يوجب أن يكون حيا عالما قديرا ملكا قدوسا سلاما مهيمنا عزيزا جبارا متكبرا.
إذا تبين ذلك فالدعاء الذي ذكره الرازي هنا هو أحد نوعي الدعاء، وهو منه قال تعالى: دعاء المسألة والطلب وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان [البقرة: 186] وهذا في الكلام نظير الذكر الذي هو ثناء وتحميد لله تعالى. ولهذا يقال في الفاتحة: نصفها ثناء ونصفها دعاء. ومن المعلوم أن استقبال القبلة في هذا كاستقبالها في الذكر [ ص: 543 ] أو أوكد، والقبلة التي تستقبل بهذا الدعاء هي قبلة الصلاة بعينها، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في الدعاء يستقبلها كما فعله في أثناء الاستسقاء، الذي رفع فيه يديه رفعا. تاما فعن عباد بن تميم عن عمه رواه الجماعة أهل الصحاح والسنن والمسانيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي، فصلى بهم ركعتين، جهر بالقراءة فيهما، وحول رداءه، ورفع يديه فدعا واستسقى واستقبل القبلة". كالبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي [ ص: 544 ] وغيرهم، فأخبر أنه استقبل القبلة، التي هي قبلة الصلاة في أثناء دعاء الاستسقاء. وإذا كانت قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة بعينها، كان قول الجهمي: إن العرش والسماء قبلة للدعاء قولا مخالفا لإجماع المسلمين، ولما علم بالاضطرار من دين الإسلام، فيكون من أبطل الباطل. وابن ماجه