الوجه الثامن والثلاثون: أن القول بأن الله ليس بجسم ولا جوهر ولا متحيز ولا داخل العالم ولا خارجه، ونحو ذلك ليس هو قول أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا له أصل في شيء من كتب الله المنزلة ولا آثار أنبيائه، بل متواتر عن السلف والأئمة إنكار هذا الكلام وتبديع أهله، كما قال أبو العباس بن سريج: " توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتوحيد أهل الباطل الخوض في الأعراض والأجسام، وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك"، وذلك أن هو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وذلك يتضمن التوحيد بالقول والاعتقاد وبالإرادة والقصد: وأما الخوض في [ ص: 624 ] الأعراض والأجسام كما خاض فيه المتكلمون كقولهم: ليس بجسم ولا عرض ونحو ذلك، فأول من ابتدعه في الإسلام التوحيد الذي بعث الله به رسله الجهمية وأتباعهم من المعتزلة، لا يعرف في هذه الأمة حدوث القول في الله بأنه ليس بجسم ولا جوهر ونحو ذلك من جهة هؤلاء. وكذلك إنما ابتدعها في الإسلام هؤلاء. وهذا أصل الاستدلال على حدوث العالم بطريق الجسم والعرض من الأولين والآخرين. ولما ابتدع هؤلاء القول بأنه ليس بجسم ولا جوهر عارضهم الطائفة الأخرى من علم الكلام الذي أطبق على ذمه أئمة الإسلام الشيعة وغيرهم فقالوا: بل هو جسم.
والسلف والأئمة لم يثبتوا هذه الأسماء لله ولا نفوها عنه، لما في كل من الإثبات والنفي من الابتداع في الدين من إجمال واشتراك، ويثبت به باطل، وينفى به حق، مع أن السلف والأئمة لم يختلفوا أن نفاة الجسم أعظم ضلالا وابتداعا من مثبتيه، بل الأئمة والسلف تواتر عنهم من الجهمية ما لا يحصيه إلا الله، ولهم أيضا كلام في ذم المشبهة، لكن أقل من ذم ذم الجهمية بكثير، وأما لفظ " الجسم " فلا يحفظ عن أحد منهم ذمه ولا إنكاره، كما لا يحفظ عنهم مدحه وإقراره. ولكن المحفوظ عنهم من الألفاظ الإثبات. فقول نفاة الجسم: إنها هي التجسيم ويعدون أعلام الدين وأئمة الدين من المجسمين [ ص: 625 ] والمشبهين كما هو موجود في كتب مقالاتهم، كما يعدون منهم وأصحابه، مالكا، وأضرابه، وحماد بن سلمة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأمثال هؤلاء الأئمة. وإسحاق بن راهويه،