ذكر عيشته وزهده 
قال  سلمان الفارسي   : كان عيسى  يلبس الصوف بالنهار ، والشعر بالليل ، وما قهقه ضاحكا قط   . 
وقال  مجاهد   : كان يأكل قلوب الشجر ، ويلبس الشعر ، ولم يكن له ولد يموت ولا بيت يخرب ، ولم يكن يدخر شيئا لغد ، أينما أدركه المساء بات . 
وقال  عطاء الخراساني   : كان عيسى عليه السلام  يتخذ نعلين من لحا الشجر ، وشراكهما ليف . 
وقال عمرو بن شرحبيل   : كان عيسى  يأكل من غزل أمه . 
وقال  شعيب بن حرب   : كانت مريم  تلقط ، فإذا علم بها نثر لها ، فإذا علمت تحولت إلى مكان لا تعرف فيه . 
أنبأنا  يحيى بن ثابت بن بندار  ، قال: أخبرنا الحسن بن الحسين بن دوما  ، قال:  [ ص: 25 ] أخبرنا  مخلد بن جعفر  ، قال: أخبرنا الحسن بن علي القطان  ، قال: أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار  ، قال: أخبرنا إسحاق بن بشر القرشي  ، قال: أخبرنا عيسى بن عطية السعدي  ، وعبد الله بن زياد بن سمعان  ، قالا جميعا: عن مكحول  ، عن كعب   : أن عيسى  كان يأكل الشعير ، ويمشي على رجليه ، ويركب الدواب ، ولا يسكن البيوت ولا يستصبح السراج ، ولا يلبس القطن ، ولا لمس النساء والطيب ، ولم يمزج شرابه بشيء قط ، ولم يدهن رأسه ، ولم يقرب رأسه ولحيته غسولا قط ، ولم يجعل بين الأرض وبين جلده شيئا قط . ولم يهتم لغداء ولا لعشاء . وكان يجالس الضعفاء والمساكين ، ولم يأكل مع الطعام إداما قط ، وكان يجزئ بالقوت القليل ، ويقول: هذا لمن يموت كثير . 
وقال عيسى  ، وعبد الله  جميعا ، عن بعض من أسلم من أهل الكتاب   : أن عيسى عليه السلام  كان سياحا يسيح في الأرض  ، لا يأويه بيت ولا قرية ، عليه برنس من شعر وإزار من شعر ، و [ ينتعل ] نعلين من النعال السبتية وفي يده عصا ، مأواه حيث ما جنه الليل ، سراجه ضوء القمر ، وظله ظلمة الليل ، وفراشه من الأرض ، ووساده حجر الأرض ، وبقله وريحانه عشب الأرض ، وربما طوى الأيام جائعا ، إذا أصابه الشدة فرح واستبشر ، وإذا أصابه الرخاء خاف وحزن  . 
قال القرشي   : وبه حدثنا هشام  ، عن الحسن   : أن عيسى  مر به إبليس يوما وهو متوسد حجرا ، فقال: يا عيسى  ، أليس تزعم أنك لا تريد شيئا من عرض الدنيا ؟ قال: فقام عيسى عليه السلام  فأخذ الحجر فرمى به إليه ، فقال: هذا لك مع الدنيا  . 
قال: وقالوا: يا روح الله ، لو بنينا لك بيتا تسكنه ، قال: لا حاجة لي به ، [ فألحوا  [ ص: 26 ] عليه ، فأذن لهم ] فبنوا له عريشا ، فلما دخله فنظر إليه ، قال: إنما أردت بيتا إذا قمت أصاب رأسي وإذا اضطجعت أصاب جنبي حائطه ، ولا حاجة لي بهذا ، فلم يسكن بعدها ظل بيت قط حتى رفع . 
أخبرنا محمد بن ناصر  ، قال: أخبرنا محمد بن علي بن ميمون  ، قال: أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن علي العلوي  ، قال: أخبرنا أحمد بن علي العطار  ، قال أخبرنا أحمد بن جعفر البجلي  ، قال: حدثنا علي بن المنذر الطرائقي  ، قال: أخبرنا  محمد بن فضيل  ، قال: حدثنا عمران بن مسلم  ، قال: بلغني أن عيسى بن مريم  خرج على أصحابه عليه مدرعة من صوف وكساء من صوف وتبان ، مجزوز الرأس والشاربين باكيا شعثا متغير اللون من الجوع ، يابس الشفتين من العطش ، طويل شعر الصدر والذراعين والساقين ، فقال: السلام عليكم ، أنا الذي أنزلت الدنيا منزلتها بإذن من الله [ عز وجل ] ولا عجب ولا فخر ، يا بني إسرائيل  ، تهاونوا بالدنيا تهن عليكم ، أهينوا الدنيا تكرم الآخرة عليكم ، ولا تهينوا الآخرة فتكرم الدنيا عليكم ، فإن الدنيا ليست بأهل لكرامة ، كل يوم تدعو إلى الفتنة والخسارة . 
ثم قال لأصحابه: تدرون أين بيتي ؟ قالوا: أين بيتك يا روح الله ؟ فقال: بيتي المساجد ، وطيبي الماء ، وإدامي الجوع ، ودابتي رجلي ، وسراجي بالليل القمر ، وظلالي [ ظلمة الليل ومسكني ] في الشتاء مشارق الشمس ، وطعامي ما يبس ، وفاكهتي وريحاني بقول الأرض مما يأكل السباع والأنعام ، ولباسي الصوف ، وشعاري الخوف ، وجلسائي الزمنى والمساكين ، أصبح وليس لي شيء ، وأمسي وليس لي شيء  [ ص: 27 ] وأنا طيب النفس ، غير مكترث من أغنى مني وأربح مني  . 
وذكر أنه لبس جبة من صوف عشر سنين ، كلما تخرق منها شيء خاطه بشريط ، ولم يدهن رأسه أربع سنين متواليات ، ثم دهنه بودك الشحم ، وقال: يا بني إسرائيل  ، اتخذوا المساجد بيوتا ، والقبور دورا ، وكونوا كأمثال الأضياف ، ألا ترون إلى طير السماء ؟ لا يزرعن ولا يحصدن وإله السماء يرزقهن . يا بني إسرائيل  ، كلوا من خبز الشعير ومن بقول الأرض ، واعلموا أنكم لم تؤدوا شكر ذلك ، فكيف ما كان من فضل ؟ 
أخبرنا الحسن بن أحمد بن محبوب  ، قال: أخبرنا أبو علي: أحمد بن محمد البرداني  ، قال: قرأت على يوسف بن محمد الهمذاني  ، أخبركم الحسين بن عمر بن برهان  ، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن البختري  ، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبيد  ، قال: حدثني المثنى بن معاذ الغنوي  ، قال: أخبرنا محمد بن شجاع النميري  ، قال: بينا عيسى بن مريم  يسيح في بعض بلاد الشام  اشتد به المطر والرعد والبرق ، فجعل يطلب شيئا يلجأ إليه ، فرفعت له خيمة من بعد ، فإذا فيها امرأة فحاد عنها ، فإذا هو بكهف في جبل فأتاه ، فإذا في الكهف أسد ، فرفع يده ، ثم قال: إلهي ، جعلت لكل شيء مأوى ولم تجعل لي مأوى ؟ فأجابه الجليل عز وجل: مأواك عندي في مستقر رحمتي ، لأزوجنك يوم القيامة مائة حورا جعلتها بيدي ، ولأطعمن في عرسك أربع مائة عام ، يوم منها كعمر الدنيا ، ولآمرن مناديا ينادي: أين الزاهدون في الدنيا ؟ زوروا عرس الزاهد عيسى ابن مريم   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					