[ ص: 28 ] ذكر طرف من مواعظ عيسى عليه السلام   
أنبأنا  يحيى بن ثابت بن بندار  ، قال: أخبرنا أبي ، قال: أخبرنا الحسن بن الحسين بن دوما  ، قال: أخبرنا مخلد بن جعفر الباقرجي  ، قال: أخبرنا الحسن بن علي القطان  ، قال: أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار  ، قال: أخبرنا إسحاق بن بشر القرشي  ، قال: أخبرنا أحمد بن إدريس  ، عن  وهب بن منبه  قال: قال عيسى بن مريم   : " إن للحكمة أهلا ، إن كتمتها عن أهلها جهلت ، وإن تكلمت بها عند غير أهلها جهلت ، فكن كالطبيب العالم الذي يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع "  . 
قال القرشي   : وأخبرنا عيسى بن عطية السعدي  ، وعبد الله بن زياد بن سمعان  ، قالا: عن بعض من أسلم من أهل الكتاب  ، قال: قال عيسى عليه السلام  للحواريين   : " لا تجالسوا الخطائين ، فإن مجالستهم تقسي القلب ، تقربوا إلى الله عز وجل بمفارقتهم . يا معشر الحواريين  ، لا تحملوا على اليوم هم غد ، حسب كل يوم همه ، ولا يهتم أحدكم لرزق غد ، خالق غد يأتيكم فيه بالرزق . ولا يقولن أحدكم إذا استقبل الشتاء: من أين آكل ومن أين [ ألبس ؟ وإذا استقبله الصيف يقول: من أين آكل ومن أين ] أشرب ؟ فإن كان لك في الشتاء بقاء فلك فيه رزق ، وإن كان لك في الصيف بقاء  [ ص: 29 ] فلك فيه رزق . ولا تحمل هم شتائك وصيفك على يومك ، حسب هم كل يوم بما فيه . 
يا معشر الحواريين   . إن ابن آدم  خلق في الدنيا على أربعة منازل ، فهو في ثلاثة منها بالله واثق ، وظنه بالله حسن ، وهو في الرابعة سيئ ظنه بربه يخاف خذلان الله إياه: 
أما المنزلة الأولى ، فإنه يخلق في بطن أمه خلقا من بعد خلق ، في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة ، يدر الله عليه رزقه في ظلمة البطن ، فإذا خرج من البطن وقع في اللبن ، لا يسعى إليه بقدم ، ولا يتناوله بيده ، ولا ينهض إليه بقوة بل يكره عليه ، حتى يرتفع عن اللبن ويفطم ، ويقع في المنزلة الثالثة بين أبوين يحنان عليه ، فإذا ماتا وتركاه يتيما تعطف عليه الناس ، يطعمه هذا ويكسوه هذا رحمة له ، حتى إذا بلغ منزلته الرابعة واستوى خلقه واجتمع حتى أنه لا يرزقه إلا الله ، اجترأ على الله ، وغدا على الناس يقاتلهم على الدنيا . 
يا معشر الحواريين  ، اعتبروا بالطير ، هل رأيتم طيرا قط يدخر ، وكذلك البهائم والسباع ، الحق أقول لكم: أمسيتم في زمان [ قوم ] كلامهم كلام الأنبياء ، وفعالهم فعال السفهاء ، كلامهم دواء يبرئ الداء ، وقلوبكم ما تقبل الدواء . قلوبكم تبكي من أعمالكم ، أصبحت الدنيا عندكم بمنزلة العروس المجلية يعشقها كل من يراها ، وهي بمنزلة الحية ، لين لمسها ، يقتل سمها . 
يا معشر الحواريين  ، ليكن همكم من الدنيا أنفسكم تفوزوا بها ، ولا تكن همكم بطونكم وفروجكم ، تملئوها من الطعام وتضمروها من الحكمة ، كلوا خبز الشعير ، وملح الجريش ، واخرجوا من الدنيا سالمين . واعلموا أن النظر إلى النساء سهم من سهام إبليس مسموم ، وهو يزرع الشهوة في القلب ، وإن مثل الحكيم يعمل حكمته كمثل الشمس: تضيء للخلائق ولا تحرق نفسها ، وإن مثل الحكيم الذي لا يعمل بحكمته كمثل السراج: يضيء لمن حوله ، ويحرق نفسه . 
 [ ص: 30 ] يا معشر الحواريين  ، لا تضعوا البعوض عن شرابكم وتشترطون الفيلة ، لا تنظروا في ذنوب الناس كالأرباب وانظروا في ذنوبكم كالعبيد ، ما الناس إلا كرجلين: مبتلى ومعافى ، فارحموا صاحب البلاء ، واحمدوا الله على العافية . 
يا بني إسرائيل  ، كونوا حكماء علماء ، لا تضعوا الحكمة إلا عند أهلها ولا تكتموها أهلها ، فإنكم إن تكلمتم بالحكمة عند غير أهلها جهلتم ، وإن منعتموها أهلها فقد ظلمتموها وضيعتموها ، فكونوا كالطبيب العالم الذي يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع ، اعفوا عن الناس يعف الله عز وجل عنكم . 
يا بني إسرائيل  ، ما يغني عن البيت المظلم السراج على ظهره وباطنه مظلم ، تخرجون الحكمة إلى الناس وتمسكون الغل في صدوركم . لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق ويمسك النخالة ، كذلك الحكمة تخرج من أفواهكم وتبقي الغل في صدوركم . إن الذي يخوض الماء لا بد أن يصيب ثوبه الماء ، وكذلك من يحب الدنيا لا ينجو من الخطايا . طوبى للمجتهدين بالليل ، ورعوا في مساجدهم العمل ، وسقوا زرعهم من دموع أعينهم حتى نبت وأدرك الحصاد ليوم فقرهم ، فوجدوا عاقبة ذلك عند ربهم ، ومن يكن زرعه المر لا يحصد حلوا . 
يا عبد الدنيا ، ما أكثر الشجر وليس كله يثمر ، وما أكثر العلماء وليس كلهم يعمل ، إن الدابة ما لم ترض تستصعب . 
يا عبيد الدنيا ، إنكم لا تدركون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون ، ولا تبلغون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون ، كنتم أمواتا فأحياكم ، وحين أحياكم متم ، وحين كنتم . 
ضلالا هداكم ، وحين اهتديتم ضللتم . إن الزانية إذا حملت يفضحها حملها ، وكذلك يفتضح بالعمل من كان يغر الناس بالقول الحسن ويقول ما لا يفعل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					