قال تعالى : ( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ( 79 ) ) .
قوله تعالى : ( ثم يقول ) : هو معطوف على يؤتيه . ويقرأ بالرفع على الاستئناف . ( بما كنتم ) : في موضع الصفة لربانيين . ويجوز أن تكون الباء بمعنى السبب ، فتتعلق بكان وما مصدرية ; أي يعلمكم الكتاب . ويجوز أن تكون الباء متعلقة بربانيين . ( تعلمون ) : يقرأ بالتخفيف ; أي تعرفون ، وبالتشديد ; أي تعلمونه غيركم .
( تدرسون ) : يقرأ بالتخفيف ; أي تدرسون الكتاب ، فالمفعول محذوف ، ويقرأ بالتشديد وضم التاء ; أي تدرسون الناس الكتاب .
قال تعالى : ( أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ( 80 ) ) .
قوله تعالى : ( ولا يأمركم ) : يقرأ بالرفع ; أي ولا يأمركم الله أو النبي ، فهو مستأنف ، ويقرأ بالنصب عطفا على يقول ، فيكون الفاعل ضمير النبي أو البشر ، ويقرأ بإسكان الراء فرارا من توالي الحركات ، وقد ذكر في البقرة . ( إذ ) : في موضع جر بإضافة بعد إليها . ( أنتم مسلمون ) : في موضع جر بإضافة إذ إليها .
قال تعالى : ( ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ( 81 ) ) .
قوله تعالى : ( لما آتيتكم ) : يقرأ بكسر اللام ، وفيما يتعلق به وجهان : أحدهما : أخذ ; أي لهذا المعنى ، وفيه حذف مضاف تقديره : لرعاية ما آتيتكم . والثاني : أن يتعلق [ ص: 222 ] بالميثاق لأنه مصدر ; أي توثقنا عليهم لذلك . وما بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف . و ( من كتاب ) : حال من المحذوف ، أو من الذي . ويقرأ بالفتح وتخفيف " ما " وفيها وجهان : أحدهما : أن ما بمعنى الذي ، وموضعها رفع بالابتداء ، واللام لام الابتداء دخلت لتوكيد معنى القسم .
وفي الخبر وجهان : أحدهما : من كتاب وحكمة ; أي الذي أوتيتموه من الكتاب ، والنكرة هنا كالمعرفة . والثاني : الخبر لتؤمنن به ، والهاء عائدة على المبتدأ واللام جواب القسم ; لأن أخذ الميثاق قسم في المعنى . فأما قوله : ( ثم جاءكم ) : فهو معطوف على ما آتيتكم ، والعائد على " ما " من هذا المعطوف فيه وجهان : أحدهما : تقديره : ثم جاءكم به ، واستغنى عن إظهاره بقوله به فيما بعد . والثاني : أن قوله : لما معكم في موضع الضمير تقديره : مصدق له ; لأن الذي معهم هو الذي آتاهم . ويجوز أن يكون العائد ضمير الاستقرار العامل في مع . ويجوز أن تكون الهاء في " به " تعود على الرسول ، والعائد على المبتدأ محذوف ، وسوغ ذلك طول الكلام ، وأن تصديق الرسول تصديق للذي أوتيه . والقول الثاني أن " ما " شرط ، واللام قبله لتلقي القسم ، كالتي في قوله ( لئن لم ينته المنافقون ) [ الأحزاب : 60 ] وليست لازمة بدليل قوله : ( وإن لم ينتهوا عما يقولون ) [ المائدة : 73 ] ; فعلى هذا تكون " ما " في موضع نصب بآتيت ، والمفعول الثاني ضمير المخاطب ، ومن كتاب مثل من آية في قوله ( ما ننسخ من آية ) [ البقرة : 106 ] وباقي الكلام على هذا الوجه ظاهر . ويقرأ " لما " بفتح اللام وتشديد الميم ، وفيها وجهان : أحدهما : أنها الزمانية ; أي أخذنا ميثاقهم لما آتيناهم شيئا من كتاب وحكمة ، ورجع من الغيبة إلى الخطاب على المألوف من طريقتهم . والثاني : أنه أراد لمن ما ، ثم أبدل من النون ميما لمشابهتها إياها ، فتوالت ثلاث ميمات ، فحذف الثانية لضعفها بكونها بدلا ، وحصول التكرير بها ، ذكر هذا المعنى في المحتسب . ويقرأ آتيتكم على لفظ الواحد ، وهو موافق لقوله : ( ابن جني وإذ أخذ الله ) : ولقوله : إصري .
ويقرأ آتيناكم على لفظ الجمع للتعظيم .
( أأقررتم ) : فيه حذف ; أي بذلك .
و ( إصري ) : بالكسر والضم لغتان قرئ بهما .
قوله تعالى : ( فمن تولى ) : من مبتدأ ، يجوز أن تكون بمعنى الذي ، وأن تكون شرطا . ( فأولئك ) : مبتدأ ثان . و ( هم الفاسقون ) : مبتدأ وخبره ، ويجوز أن يكون هم فصلا .
[ ص: 223 ] قال تعالى : ( وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون أفغير دين الله يبغون ( 82 ) ) .
قوله تعالى : ( أفغير ) : منصوب بـ " يبغون " ويقرأ بالياء على الغيبة كذلك قبله ، وبالتاء على الخطاب ، والتقدير : قل لهم . ( طوعا وكرها ) : مصدران في موضع الحال ، ويجوز أن يكونا مصدرين على غير الصدر ; لأن أسلم بمعنى انقاد وأطاع . ( ترجعون ) : بالتاء على الخطاب وبالياء على الغيبة .
قال تعالى : ( وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ( 84 ) ) .
قوله تعالى : ( قل آمنا ) : تقديره : قل يا محمد آمنا ; أي أنا ومن معي ، أو أنا والأنبياء ، وقيل : التقدير : قل لهم قولوا آمنا .