الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ( 145 ) ) .

قوله تعالى : ( ولئن أتيت ) : اللام توطئة للقسم ; وليست لازمة ; بدليل قوله : ( وإن لم ينتهوا عما يقولون ) [ المائدة : 73 ] .

( ما تبعوا ) : أي لا يتبعوا ; فهو ماض في معنى المستقبل ، ودخلت " ما " حملا على لفظ الماضي ، وحذفت الفاء في الجواب ; لأن فعل الشرط ماض ، وقال الفراء : إن هنا بمعنى لو ، فلذلك كانت " ما " في الجواب ، وهو بعيد ; لأن إن للمستقبل ولو للماضي . ( إذن ) : حرف ، والنون فيه أصل ، ولا تستعمل إلا في الجواب ، ولا تعمل هنا شيئا ; لأن عملها في الفعل ولا فعل .

قال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم . . . . . . ( 146 ) ) .

قوله تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب ) : مبتدأ ، و : " يعرفونه " الخبر . ويجوز أن يكون الذين بدلا من الذين أوتوا الكتاب في الآية قبلها . ويجوز أن يكون بدلا من الظالمين ; فيكون يعرفونه حالا من الكتاب ، أو من الذين ; لأن فيه ضميرين راجعين عليهما ، ويجوز أن يكون نصبا على تقدير أعني ، ورفعا على تقدير : " هم " .

[ ص: 106 ] ( كما ) : صفة لمصدر محذوف ، وما مصدرية .

قال تعالى : ( الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ( 147 ) ) .

قوله تعالى : ( الحق من ربك ) : ابتداء وخبر . وقيل : الحق خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : ما كتموه الحق ، أو ما عرفوه .

وقيل : هو مبتدأ والخبر محذوف ; تقديره : يعرفونه أو يتلونه .

و ( من ربك ) : على الوجهين حال ، وقرأ علي - عليه السلام : ( الحق ) : بالنصب بـ ( يعلمون ) .

قال تعالى : ( ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير ( 148 ) ) .

قوله تعالى : ( ولكل وجهة ) : وجهة مبتدأ ، ولكل خبره . والتقدير : لكل فريق . ووجهة جاء على الأصل ، والقياس جهة ، مثل عدة وزنة .

والوجهة مصدر . في معنى المتوجه إليه ، كالخلق بمعنى المخلوق ، وهي مصدر محذوف الزوائد ; لأن الفعل توجه أو اتجه ، والمصدر التوجه ، أو الاتجاه ، ولم يستعمل منه وجه كوعد . ( هو موليها ) : يقرأ بكسر اللام ، وفي هو وجهان : أحدهما : هو ضمير اسم الله ، والمفعول الثاني محذوف ; أي الله مولي تلك الجهة ذلك الفريق ; أي يأمره بها . والثاني : هو ضمير كل ; أي ذلك الفريق مولي الوجهة نفسه .

ويقرأ مولاها بفتح اللام ، وهو على هذا هو ضمير الفريق ومولى لما لم يسم فاعله ، والمفعول الأول هو الضمير المرفوع فيه ، وها ضمير المفعول الثاني ، وهو ضمير الوجهة ، وقيل للتولية ، ولا يجوز أن يكون هو على هذه القراءة ضمير اسم الله ; لاستحالة ذلك في المعنى ، والجملة صفة لوجهة . وقرئ في الشاذ : " ولكل وجهة " بإضافة كل لوجهة فعلى هذا تكون اللام زائدة ; والتقدير : كل وجهة الله موليها أهلها ; وحسن زيادة اللام تقدم المفعول ; وكون العامل اسم فاعل .

( أينما ) : ظرف لـ ( تكونوا ) .

[ ص: 107 ] قال تعالى : ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك . . . . . . . . ( 149 ) ) .

قوله تعالى : ( ومن حيث خرجت ) : حيث هنا لا تكون شرطا ; لأنه ليس معها ما ، وإنما يشترط بها مع ما فعلى هذا يتعلق من بقوله : " فول " . و ( إنه للحق ) : الهاء ضمير التولي .

قال تعالى : ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون ( 150 ) ) .

قوله تعالى : ( وحيث ما كنتم ) : يجوز أن يكون شرطا وغير شرط كما ذكرنا في الموضع الأول . ( لئلا ) : اللام متعلقة بمحذوف تقديره : فعلنا ذلك لئلا .

و ( حجة ) : اسم كان ، والخبر للناس ، وعليكم صفة الحجة في الأصل قدمت فانتصبت على الحال ، ولا يجوز أن يتعلق بالحجة ; لئلا تتقدم صلة المصدر عليه .

( إلا الذين ظلموا منهم ) : استثناء من غير الأول ; لأنه لم يكن لأحد ما عليهم حجة . ( ولأتم ) : هذه اللام معطوفة على اللام الأولى .

( عليكم ) : متعلق بأتم ; ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أن يكون حالا من نعمتي .

قال تعالى : ( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ( 151 ) ) .

قوله تعالى : ( كما ) : الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف ، تقديره : تهتدون هداية كإرسالنا ، أو إتماما كإرسالنا ، أو نعمة كإرسالنا .

وقال جماعة من المحققين : التقدير : فاذكروني كما أرسلنا ; فعلى هذا يكون منصوبا صفة للذكر ; أي ذكرا مثل إرسالي ولم تمنع الفاء من ذلك كما لم تمنع في باب الشرط وما مصدرية .

قال تعالى : ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ( 154 ) ) .

قوله تعالى : ( أموات ) : جمع على معنى من ; وأفرد ( يقتل ) على لفظ من ، ولو جاء ميت كان فصيحا . وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف ; أي هم أموات .

[ ص: 108 ] ( بل أحياء ) : أي بل قولوا هم أحياء . و " لمن يقتل في سبيل الله أموات " : في موضع نصب بقوله : ولا تقولوا ; لأنه محكي ، وبل لا تدخل في الحكاية هنا .

( ولكن لا تشعرون ) : المعفول هنا محذوف ، تقديره : لا تشعرون بحياتهم .

قال تعالى : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ( 155 ) ) .

قوله تعالى : ( ولنبلونكم ) : جواب قسم محذوف ، والفعل المضارع يبنى مع نوني التوكيد ، وحركت الواو بالفتحة لخفتها . ( من الخوف ) : في موضع جر صفة لشيء .

( من الأموال ) : في موضع نصب صفة لمحذوف تقديره : ونقص شيئا من الأموال ; لأن النقص مصدر نقصت ، وهو متعد إلى مفعول ، وقد حذف المفعول .

ويجوز عند الأخفش أن تكون ( من ) : زائدة ، ويجوز أن تكون من صفة لنقص ، وتكون لابتداء الغاية ; أي نقص ناشئ من الأموال .

قال تعالى : ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ( 156 ) ) .

قوله تعالى : ( الذين إذا أصابتهم ) : في موضع نصب صفة للصابرين ، أو بإضمار أعني ، ويجوز أن يكون مبتدأ و " أولئك عليهم صلوات " خبره ، وإذا وجوابها صلة الذين .

( إنا لله ) : الجمهور على تفخيم الألف في إنا ، وقد أمالها بعضهم لكثرة ما ينطق بهذا الكلام ، وليس بقياس ; لأن الألف من الضمير الذي هو " نا " وليست منقلبة ولا في حكم المنقلبة .

قال تعالى : ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ( 157 ) ) .

قوله تعالى : ( أولئك ) : مبتدأ . و ( صلوات ) : مبتدأ ثان . و ( عليهم ) : خبر المبتدأ الثاني . والجملة خبر أولئك ، ويجوز أن ترفع صلوات بالجار ; لأنه قد قوي بوقوعه خبرا ، ومثله ( أولئك عليهم لعنة الله ) [ البقرة : 161 ] . ( وأولئك هم المهتدون ) : هم مبتدأ أو توكيد أو فصل .

التالي السابق


الخدمات العلمية