الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم ( 228 ) ) .

قوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن ) : قيل : لفظه خبر ، ومعناه الأمر ; أي ليتربصن .

وقيل : هو على بابه ، والمعنى : وحكم المطلقات أن يتربصن ثلاثة قروء ، وانتصاب ثلاثة هنا على الظرف ، وكذلك كل عدد أضيف إلى زمان أو مكان . و ( قروء ) : جمع كثرة ، والموضع موضع قلة فكان الوجه ثلاثة أقراء ، واختلف في تأويله ; فقيل : وضع جمع الكثرة في موضع جمع القلة .

وقيل : لما جمع في المطلقات أتى بلفظ جمع الكثرة ; لأن كل مطلقة تتربص ثلاثة .

وقيل : التفسير : ثلاثة أقراء من قروء . واحد القروء قرء ، وقرئ بالفتح والضم .

( ما خلق الله ) : يجوز أن تكون بمعنى الذي ، وأن تكون نكرة موصوفة والعائد محذوف ; أي خلقه الله . ( في أرحامهن ) : يتعلق بخلق . ويجوز أن يكون حالا من المحذوف ، وهي حال مقدرة ; لأن وقت خلقه ليس بشيء حتى يتم خلقه ( وبعولتهن ) : الجمهور على ضم التاء ، وأسكنها بعض الشذاذ ، ووجهها أنه حذف الإعراب ; لأنه شبهه بالمتصل نحو عضد وعجز .

[ ص: 147 ] ( في ذلك ) : قيل ذلك كناية عن العدة فعلى هذا يتعلق بأحق ; أي يستحق رجعتها ما دامت في العدة وليس المعنى أنه أحق أن يردها في العدة وإنما يردها في النكاح أو إلى النكاح .

وقيل : ذلك كناية عن النكاح فتكون " في " متعلقة بالرد .

( بالمعروف ) : يجوز أن تتعلق الباء بالاستقرار في قوله " ولهن " أي استقر ذلك بالحق . ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمثل ; لأنه لم يتعرف بالإضافة .

( وللرجال عليهن درجة ) : درجة مبتدأ ، وللرجال الخبر . عليهن : يجوز أن يكون متعلقا بالاستقرار في اللام . ويجوز أن يكون في موضع نصب حالا من الدرجة ; والتقدير : درجة كائنة عليهن ، فلما قدم وصف النكرة عليها صار حالا .

ويضعف أن يكون عليهن الخبر ، ولهن حال من درجة ; لأن العامل حينئذ معنوي ، والحال لا يتقدم عليه .

قال تعالى : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ( 225 ) ) .

قوله تعالى : ( الطلاق مرتان ) : تقديره : عدد الطلاق الذي يجوز معه الرجعة مرتان . ( فإمساك ) : أي فعليكم إمساك .

و ( بمعروف ) : يجوز أن يكون صفة لإمساك ، وأن يكون في موضع نصب بإمساك .

( أن تأخذوا ) : مفعوله " شيئا " و " مما " وصف له قدم عليه فصار حالا . ومن للتبعيض ، وما بمعنى الذي ، وآتيتم تتعدى إلى مفعولين ، وقد حذف أحدهما ، وهو العائد على ما تقديره " آتيتموهن إياه " .

( إلا أن يخافا ) : أن والفعل في موضع نصب على الحال ; والتقدير : إلا خائفين ، وفيه حذف مضاف تقديره : ولا يحل لكم أن تأخذوا على كل حال ، أو في كل حال إلا في حال الخوف . وقد قرئ ( يخافا ) بضم الياء ; أي يعلم منهما ذلك أو يخشى .

[ ص: 148 ] ( ألا يقيما ) : في موضع نصب بيخافا ; تقديره : إلا أن يخافا ترك حدود الله .

( عليهما ) : خبر لا . و ( فيما ) : متعلق بالاستقرار . ولا يجوز أن يكون عليهما في موضع نصب بجناح ، وفيما افتدت الخبر ; لأن اسم لا إذا عمل ينون .

( تلك حدود الله ) : مبتدأ وخبره . و ( تعتدوها ) : بمعنى تتعدوها .

قال تعالى : ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ( 230 ) ) .

قوله تعالى : ( فلا جناح عليهما أن يتراجعا ) : أي في أن يتراجعا .

( يبينها ) : يقرأ بالياء والنون ، والجملة في موضع نصب من الحدود ، والعامل فيها معنى الإشارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية