الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ( 118 ) ) .

قوله تعالى : ( من دونكم ) : صفة لبطانة . قيل : من زائدة ; لأن المعنى بطانة دونكم في العمل والإيمان . ( لا يألونكم ) : في موضع نعت لبطانة ، أو حال مما تعلقت به من ، ويألوا يتعدى إلى مفعول واحد . و ( خبالا ) : على التمييز ، ويجوز أن يكون انتصب لحذف حرف الجر ، تقديره : لا يألونكم في تخبيلكم . ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال ) . ( ودوا ) : مستأنف . ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يألونكم ، وقد معه مرادة ، وما مصدرية ; أي عنتكم . ( قد بدت البغضاء ) : حال أيضا ; ويجوز أن يكون مستأنفا . ( من أفواههم ) : مفعول بدت ، ومن لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون حالا ; أي ظهرت خارجة من أفواههم .

قال تعالى : ( ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور ( 119 ) ) .

قوله تعالى : ( ها أنتم أولاء تحبونهم ) : قد ذكر إعرابه في قوله : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ) [ البقرة : 85 ] ( بالكتاب كله ) : الكتاب هنا جنس ; أي بالكتب كلها ، وقيل : [ ص: 230 ] هو واحد . ( عضوا عليكم ) : عليكم مفعول عضوا . ويجوز أن يكون حالا ; أي حنقين عليكم . ( من الغيظ ) : متعلق بعضوا أيضا ، ومن لابتداء الغاية ; أي من أجل الغيظ ; ويجوز أن يكون حالا ; أي مغتاظين . ( بغيظكم ) : يجوز أن يكون مفعولا به كما تقول مات بالسم ; أي بسببه ، ويجوز أن يكون حالا ; أي موتوا مغتاظين .

قال تعالى : ( إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط ( 120 ) ) .

قوله تعالى : ( لا يضركم ) : يقرأ بكسر الضاد وإسكان الراء على أنه جواب الشرط ، وهو من ضار يضير ضيرا بمعنى ضر ، ويقال فيه ضاره يضوره بالواو ، ويقرأ بضم الضاد وتشديد الراء وضمها ، وهو من ضر يضر ، وفي رفعه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه في نية التقديم ; أي لا يضركم كيدهم شيئا إن تتقوا ، وهو قول سيبويه . والثاني : أنه حذف الفاء ، وهو قول المبرد ، وعلى هذين القولين الضمة إعراب . والثالث : أنها ليست إعرابا ; بل لما اضطر إلى التحريك حرك بالضم إتباعا لضمة الضاد ، وقيل : حركها بحركتها الإعرابية المستحقة لها في الأصل ، ويقرأ بفتح الراء على أنه مجزوم حرك بالفتح لالتقاء الساكنين ، إذ كان أخف من الضم والكسر . ( شيئا ) : مصدر ; أي ضررا .

قال تعالى : ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم ( 121 ) ) .

قوله تعالى : ( وإذ غدوت ) : أي واذكر . ( من أهلك ) : من لابتداء الغاية ; والتقدير : من بين أهلك ، وموضعه نصب تقديره : فارقت أهلك . و ( تبوئ ) : حال ، وهو يتعدى إلى مفعول بنفسه ، وإلى آخر تارة بنفسه ، وتارة بحرف الجر ، فمن الأول هذه الآية ; فالأول " المؤمنين " . والثاني : " مقاعد " ومن الثاني : ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ) [ الحج : 26 ] وقيل : اللام فيه زائدة . ( للقتال ) : يتعلق بـ ( تبوئ ) . ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أن يكون صفة لمقاعد ، ولا يجوز أن يتعلق بمقاعد ; لأن المقعد هنا المكان وذلك لا يعمل .

قال تعالى : ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 122 ) ) .

قوله تعالى : ( إذ همت ) : إذ ظرف لـ ( عليم ) . ويجوز أن يكون ظرفا لـ ( تبوئ ) ، وأن يكون [ ص: 231 ] لـ ( غدوت ) . ( أن تفشلا ) : تقديره : بأن تفشلا ; فموضعه نصب ، أو جر على ما ذكرنا من الخلاف . ( وعلى ) : يتعلق بيتوكل ، دخلت الفاء لمعنى الشرط ، والمعنى إن فشلوا فتوكلوا أنتم ، وإن صعب الأمر فتوكلوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية