الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) ( 90 ) .

قوله تعالى : ( رجس ) : إنما أفرد ؛ لأن التقدير : إنما عمل هذه الأشياء رجس ، ويجوز أن يكون خبرا عن الخمر ، وإخبار المعطوفات محذوف ؛ لدلالة خبر الأول عليها . و ( من عمل ) : صفة لرجس ، أو خبر ثان ، والهاء في ( اجتنبوه ) : ترجع إلى العمل ، أو إلى الرجس ، والتقدير : رجس من جنس عمل الشيطان .

قال تعالى : ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) ( 91 ) .

قوله تعالى : ( في الخمر والميسر ) : " في " متعلقة بـ " يوقع " ، وهي بمعنى السبب ؛ أي : بسبب شرب الخمر وفعل الميسر [ ص: 343 ] ويجوز أن تتعلق في بالعداوة ، أو بالبغضاء ؛ أي : أن تتعادوا وأن تتباغضوا بسبب الشرب ، وهو على هذا مصدر بالألف واللام معمل ، والهمزة في البغضاء للتأنيث ، وليس مؤنث أفعل ؛ إذ ليس مذكر البغضاء أبغض ، وهو مثل البأساء والضراء . ( فهل أنتم منتهون ) : لفظه استفهام ، ومعناه الأمر ؛ أي : انتهوا ؛ لكن الاستفهام عقيب ذكر هذه المعايب أبلغ من الأمر .

قال تعالى : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ( 93 ) .

قوله تعالى : ( إذا ما اتقوا ) : العامل في إذا معنى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح ؛ أي : لا يأثمون إذا ما اتقوا .

قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) ( 94 ) .

قوله تعالى : ( من الصيد ) : في موضع جر صفة لشيء ، و " من " لبيان الجنس . وقيل : للتبعيض إذ لا يحرم إلا الصيد في حال الإحرام ، وفي الحرم وفي البر ، والصيد في الأصل مصدر ، وهو هاهنا بمعنى المصيد ، وسمي مصيدا وصيدا ، لمآله إلى ذلك ، وتوفر الدواعي إلى صيده ، فكأنه لما أعد للصيد صار كأنه مصيد . ( تناله ) : صفة لشيء . ويجوز أن يكون حالا من شيء ؛ لأنه قد وصف ، وأن يكون حالا من الصيد لشيء ، ويجوز أن يكون حالا من شيء ؛ لأنه قد وصف ، وأن يكون حالا من الصيد . ( ليعلم ) : اللام متعلقة بـ " ليبلونكم " . ( بالغيب ) : يجوز أن يكون في موضع الحال من " من " أو من ضمير الفاعل في يخافه ؛ أي : يخافه غائبا عن الخلق ، ويجوز أن يكون بمعنى " في " ؛ أي : في الموضع الغائب عن الخلق ؛ والغيب مصدر في موضع فاعل .

قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام ) ( 95 ) .

قوله تعالى : ( وأنتم حرم ) : في موضع الحال من ضمير الفاعل في تقتلوا . و ( متعمدا ) : حال من ضمير الفاعل في قتله . ( فجزاء ) : مبتدأ ، والخبر محذوف ، وقيل : التقدير : فالواجب جزاء .

ويقرأ بالتنوين ، فعلى هذا يكون " مثل " صفة له أو بدلا ، ومثل هنا بمعنى مماثل ، ولا يجوز على هذه القراءة أن يعلق من النعم بـ " جزاء " ؛ لأنه مصدر ، وما يتعلق به من صلته ، والفصل بين الصلة والموصول بالصفة أو البدل غير جائز ؛ لأن الموصول لم يتم ، فلا يوصف ، ولا يبدل منه .

ويقرأ شاذا : " جزاء " بالتنوين ، ومثل بالنصب ؛ وانتصابه بـ " جزاء " . ويجوز أن ينتصب [ ص: 344 ] بفعل دل عليه " جزاء " ؛ أي : يخرج أو يؤدي مثل ، وهذا أولى ، فإن الجزاء يتعدى بحرف الجر .

ويقرأ في المشهور بإضافة جزاء إلى المثل ، وإعراب الجزاء على ما تقدم ، و " مثل " في هذه القراءة في حكم الزائدة ، وهو كقولهم : مثلي لا يقول ذلك ؛ أي : أنا لا أقول ، وإنما دعا إلى هذا التقدير : أن الذي يجب به الجزاء المقتول لا مثله . وأما ( من النعم ) : ففيه أوجه : أحدها : أن تجعله حالا من الضمير في قتل ؛ لأن المقتول يكون من النعم . والثاني : أن يكون صفة لجزاء إذا نونته ؛ أي : جزاء كائن من النعم . والثالث : أن تعلقها بنفس الجزاء إذا أضفته ؛ لأن المضاف إليه داخل في المضاف ، فلا يعد فصلا بين الصلة والموصول .

وكذلك إن نونت الجزاء ، ونصبت " مثلا " ؛ لأنه عامل فيهما فهما من صلته ، كما تقول : يعجبني ضربك زيدا بالسوط .

( يحكم به ) : في موضع رفع صفة لجزاء إذا نونته ، وأما على الإضافة فهو في موضع الحال ، والعامل فيه معنى الاستقرار المقدر في الخبر المحذوف . ( ذوا عدل ) : الألف للتثنية ، ويقرأ شاذا " ذو " على الإفراد ، والمراد به الجنس كما تكون : " من " محمولة على المعنى ، فتقديره : على هذا فريق ذو عدل أو حاكم ذو عدل . و ( منكم ) : صفة لذوا ، ولا يجوز أن يكون صفة العدل ؛ لأن عدلا هنا مصدر غير وصف ( هديا ) : حال من الهاء في به ، وهو بمعنى مهدي ، وقيل : هو مصدر ؛ أي : يهديه هديا ، وقيل : على التمييز . و ( بالغ الكعبة ) : صفة لهدي ، والتنوين مقدر ؛ أي : بالغا الكعبة . ( أو كفارة ) : معطوف على جزاء ؛ أي : أو عليه كفارة إذا لم يجد المثل و ( طعام ) : بدل من كفارة ، أو خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : هي طعام ، ويقرأ بالإضافة والإضافة هنا لتبيين المضاف . و ( صياما ) : تمييز [ ص: 345 ] ( ليذوق ) : اللام متعلقة بالاستقرار ؛ أي : عليه الجزاء ليذوق ، ويجوز أن تتعلق بصيام ، وبطعام . ( فينتقم الله ) : جواب الشرط ، وحسن ذلك لما كان فعل الشرط ماضيا في اللفظ .

قال تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) ( 96 ) .

قوله تعالى : ( وطعامه ) : الهاء ضمير البحر ، وقيل : ضمير الصيد ، والتقدير : وإطعام الصيد أنفسكم . والمعنى أنه أباح لهم صيد البحر ، وأكل صيده ، بخلاف صيد البر . ( متاعا ) : مفعول من أجله ، وقيل : مصدر ؛ أي : متعتم بذلك تمتيعا ( ما دمتم ) : يقرأ بضم الدال ، وهو الأصل ، وبكسرها وهي لغة ، يقال دمت تدام . ( حرما ) : جمع حرام ككتاب ، وكتب . وقرئ في الشاذ حرما بفتح الحاء والراء ؛ أي : ذوي حرم ؛ أي : إحرام . وقيل : جعلهم بمنزلة المكان الممنوع منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية