الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) ( 57 ) .

قوله تعالى : ( من الذين أوتوا الكتاب ) : في موضع الحال من " الذين " الأولى ، أو من الفاعل في " اتخذوا " . ( والكفار ) : يقرأ بالجر عطفا على الذين المجرورة ، وبالنصب عطفا على الذين المنصوبة ، والمعنيان صحيحان .

قال تعالى : ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ) ( 58 ) .

قوله تعالى : ( ذلك بأنهم ) : ذلك مبتدأ ، وما بعده الخبر ؛ أي : ذلك بسبب جهلهم ؛ أي : واقع بسبب جهلهم .

قال تعالى : ( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ) ( 59 ) .

[ ص: 335 ] قوله تعالى : ( هل تنقمون ) : يقرأ بإظهار اللام على الأصل ، وبإدغامها في التاء ؛ لقربها منها في المخرج ، ويقرأ " تنقمون " بكسر القاف وفتحها ، وهو مبني على الماضي ، وفيه لغتان : نقم ينقم ونقم ينقم . و ( منا ) : مفعول تنقمون الثاني ، وما بعد إلا هو المفعول الأول ، ولا يجوز أن يكون منا حالا من أن والفعل ؛ لأمرين : أحدهما : تقدم الحال على إلا . والثاني : تقدم الصلة على الموصول ؛ والتقدير : هل تكرهون منا إلا إيماننا .

وأما قوله : " وأن أكثركم فاسقون " ففي موضعه وجهان : أحدهما : أنه معطوف على أن آمنا ، والمعنى على هذا إنكم كرهتم إيماننا وامتناعكم ؛ أي : كرهتم مخالفتنا إياكم ، وهذا كقولك للرجل ما كرهت مني إلا أنني محبب إلى الناس ، وأنت مبغض ، وإن أن آمنا بالله ، وبأن أكثركم فاسقون .

قال تعالى : ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ) ( 60 ) .

قوله تعالى : ( مثوبة ) : منصوب على التمييز ، والمميز بشر ، ويقرأ " مثوبة " بسكون الثاء وفتح الواو ، وقد ذكر في البقرة . و ( عند الله ) : صفة لـ " مثوبة " . ( من لعنه ) : في موضع من ثلاثة أوجه : أحدها : هو في موضع جر بدلا من شر . والثاني : هو في موضع نصب بفعل دل عليه أنبئكم ؛ أي : أعرفكم من لعنه الله . والثالث : هو في موضع رفع ؛ أي : هو من لعنه الله .

( وعبد الطاغوت ) : يقرأ بفتح العين والباء ، ونصب الطاغوت على أنه فعل معطوف على لعن ، ويقرأ بفتح العين وضم الباء ، وجر الطاغوت ، وعبد هنا اسم مثل يقظ وندس ، وهو في معنى الجمع ، وما بعده مجرور بإضافته إليه ، وهو منصوب بجعل ، ويقرأ بضم العين والباء ، ونصب الدال وجر ما بعده ، وهو جمع عبد مثل سقف وسقف ، أو عبيد مثل قتيل وقتل ، أو عابد مثل نازل ونزل ، أو عباد مثل كتاب وكتب ، فيكون جمع جمع مثل ثمار وثمر .

[ ص: 336 ] ويقرأ : " عبد الطاغوت " بضم العين ، وفتح الباء ، وتشديدها مثل ضارب وضرب ، ويقرأ " عباد الطاغوت " مثل صائم وصوام . ويقرأ " عباد الطاغوت " وهو ظاهر مثل صائم وصيام . ويقرأ : " وعابد الطاغوت " و " عبد الطاغوت " على أنه صفة مثل حطم . ويقرأ " وعبد الطاغوت " على أنه فعل ما لم يسم فاعله . والطاغوت مرفوع ، ويقرأ " وعبد " مثل ظرف ؛ أي : صار ذلك للطاغوت كالغريزي . ويقرأ " وعبدة الطاغوت " وهو جمع عابد ، مثل قاتل وقتلة .

قال تعالى : ( وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون ) ( 61 ) .

قوله تعالى : ( وقد دخلوا ) : في موضع الحال من الفاعل في قالوا ، أو من الفاعل في آمنا . و ( بالكفر ) : في موضع الحال من الفاعل في دخلوا ؛ أي : دخلوا كفارا . ( وهم قد خرجوا ) : حال أخرى . ويجوز أن يكون التقدير : وقد كانوا خرجوا به .

قال تعالى : ( وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ) ( 62 ) .

قوله تعالى : ( وأكلهم ) : المصدر مضاف إلى الفاعل . و ( السحت ) : مفعوله ، ومثله ( عن قولهم الإثم ) [ المائدة : 63 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية