الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 389 ] قال تعالى : ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ) ( 94 ) .

قوله تعالى : ( فرادى ) : هو جمع فرد ، والألف للتأنيث ، مثل كسالى .

وقرئ في الشاذ بالتنوين على أنه اسم صحيح . ويقال في الرفع فراد مثل توام ورخال ، وهو جمع قليل .

ومنهم من لا يصرفه ، يجعله معدولا مثل ثلاث ورباع ، وهو حال من ضمير الفاعل .

( كما خلقناكم ) : الكاف في موضع الحال ، وهو بدل من فرادى ، وقيل : هي صفة مصدر محذوف ؛ أي : مجيئا كمجيئكم يوم خلقناكم ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في فرادى ؛ أي : مشبهين ابتداء خلقكم .

و ( أول ) : ظرف لخلقناكم . و " المرة " في الأصل مصدر مر يمر ، ثم استعمل ظرفا اتساعا ، وهذا يدل على قوة شبه الزمان بالفعل . ( وتركتم ) : يجوز أن يكون حالا ؛ أي : وقد تركتم ، وأن يكون مستأنفا .

( وما نرى ) : لفظه لفظ المستقبل ، وهي حكاية حال . و ( معكم ) : معمول نرى ، وهي من رؤية العين ، ولا يجوز أن يكون حالا من الشفعاء ، إذ المعنى يصير أن شفعاءهم معهم ، ولا نراهم .

وإن جعلتها بمعنى نعلم المتعدية إلى اثنين ، جاز أن يكون معكم مفعولا ثانيا ، وهو ضعيف في المعنى . ( بينكم ) : يقرأ بالنصب ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : هو ظرف لـ " تقطع " ، والفاعل مضمر ؛ أي : تقطع الوصل بينكم ، ودل عليه " شركاء " . والثاني : هو وصف محذوف ؛ أي : لقد تقطع شيء بينكم ، أو وصل .

والثالث : أن هذا المنصوب في موضع رفع ، وهو معرب ، وجاز ذلك حملا على أكثر أحوال الظرف ، وهو قول الأخفش ، ومثله : ( منا الصالحون ومنا دون ذلك ) [ الجن : 11 ] .

ويقرأ بالرفع على أنه فاعل . والبين هنا الوصل ، وهو من الأضداد .

[ ص: 390 ] قال تعالى : ( إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون ( 95 ) فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم ) ( 96 ) .

قوله تعالى : ( فالق الحب ) : يجوز أن يكون معرفة ، لأنه ماض ، وأن يكون نكرة على أنه حكاية حال .

وقرئ في الشاذ " فلق " . و " الإصباح " مصدر أصبح .

ويقرأ بفتح الهمزة على أنه جمع صبح كقفل وأقفال .

( وجاعل الليل ) : مثل فالق الإصباح في الوجهين .

و ( سكنا ) : مفعول جاعل إذا لم تعرفه ، وإن عرفته كان منصوبا بفعل محذوف ؛ أي : جعله سكنا ، والسكن ما سكنت إليه من أهل ونحوهم ، فجعل الليل بمنزلة الأهل . وقيل : التقدير : مسكونا فيه ، أو ذا سكن .

و ( الشمس ) : منصوب بفعل محذوف ، أو بجاعل إذا لم تعرفه .

وقرئ في الشاذ بالجر عطفا على الإصباح ، أو على الليل .

و ( حسبانا ) : فيه وجهان : أحدهما : هو جمع حسبانة . والثاني : هو مصدر مثل الحسب ، والحساب ، وانتصابه كانتصاب سكنا .

قال تعالى : ( وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ) ( 98 ) .

قوله تعالى : ( فمستقر ) : يقرأ بفتح القاف ، وفيه وجهان : أحدهما : هو مصدر ورفعه بالابتداء ؛ أي : فلكم استقرار .

والثاني : أنه اسم مفعول ، ويراد به المكان ؛ أي : فلكم مكان تستقرون فيه ، إما في البطون ، وإما في القبور ، ويقرأ بكسر القاف ، فيكون مكانا يستقر لكم . وقيل تقديره : فمنكم مستقر .

[ ص: 391 ] وأما ( مستودع ) : فبفتح الدال لا غير . ويجوز أن يكون مكانا يودعون فيه ، وهو إما الصلب أو القبر .

ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الاستيداع .

التالي السابق


الخدمات العلمية