الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ( 166 ) ) .

قوله تعالى : ( إذ تبرأ ) : إذ هذه بدل من إذ الأولى ، أو ظرف لقوله : ( شديد العذاب ) [ البقرة : 165 ] أو مفعول اذكر . وتبرأ بمعنى يتبرأ . ( ورأوا العذاب ) : معطوف على تبرأ .

ويجوز أن يكون حالا ، وقد معه مرادة ، والعامل تبرأ ; أي تبرءوا ، وقد رأوا العذاب . ( وتقطعت بهم ) : الباء هنا للسببية ، والتقدير : وتقطعت بسبب كفرهم .

( الأسباب ) : التي كانوا يرجون بها النجاة .

ويجوز أن يكون الباء للحال ; أي تقطعت موصولة بهم الأسباب كقولك خرج زيد بثيابه ، وقيل بهم بمعنى عنهم ، وقيل الباء للتعدية والتقدير : قطعتهم الأسباب كما تقول تفرقت بهم الطرق ; أي فرقتهم ، ومنه قوله تعالى : ( فتفرق بكم عن سبيله ) [ الأنعام : 153 ] .

( كرة ) : مصدر كر يكر ، إذا رجع .

( فنتبرأ ) : منصوب بإضمار أن ، تقديره : لو أن لنا أن نرجع فأن نتبرأ . وجواب لو على هذا محذوف تقديره : لتبرأنا أو نحو ذلك .

وقيل : لو هنا تمن ، فنتبرأ منصوب على جواب التمني ، والمعنى ليت لنا كرة فنتبرأ . ( كذلك ) : الكاف في موضع رفع ; أي الأمر كذلك .

ويجوز أن يكون نصبا صفة لمصدر محذوف ; أي يريهم رؤية كذلك ، أو يحشرهم كذلك ، أو يجزيهم ونحو ذلك . و ( يريهم ) : من رؤية العين فهو متعد إلى مفعولين هنا بهمزة النقل ; و " حسرات " على هذا حال ، وقيل يريهم ; أي يعلمهم فيكون حسرات مفعولا ثالثا .

و ( عليهم ) : صفة لحسرات ; أي كائنة عليهم .

[ ص: 115 ] ويجوز أن يتعلق بنفس حسرات على أن يكون في الكلام حذف مضاف ، تقديره : على تفريطهم ، كما تقول تحسر على تفريطهم .

قال تعالى : ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 168 ) ) .

قوله تعالى : ( كلوا مما في الأرض ) : الأصل في كل أأكل ; فالهمزة الأولى همزة وصل ، والثانية فاء الكلمة ، إلا أنهم حذفوا الفاء فاستغنوا عن همزة الوصل لتحرك ما بعدها ، والحذف هنا ليس بقياس ، ولم يأت إلا في كل وخذ ومر .

( حلالا ) : مفعول كلوا فتكون من متعلقة بـ ( كلوا ) ، وهي لابتداء الغاية .

ويجوز أن تكون من متعلقة بمحذوف ، ويكون حالا من ( حلالا ) ; والتقدير : كلوا حلالا مما في الأرض فلما قدمت الصفة صارت حالا . فأما ( طيبا ) فهي صفة لحلال على الوجه الأول ، وأما على الوجه الثاني فيكون صفة لحلال . ولكن موضعها بعد الجار والمجرور لئلا يفصل بالصفة بين الحال وذي الحال .

ويجوز أن يكون " مما " حالا موضعها بعد طيب ; لأنها في الأصل صفات ، وأنها قدمت على النكرة ، ويجوز أن يكون طيبا على هذا القول صفة لمصدر محذوف تقديره كلوا الحلال مما في الأرض أكلا طيبا . ويجوز أن ينتصت حلالا على الحال من ما ، وهي بمعنى الذي ، وطيبا صفة الحال ، ويجوز أن يكون حلالا صفة لمصدر محذوف ; أي أكلا حلالا فعلى هذا مفعول كلوا محذوف ; أي كلوا شيئا أو رزقا ويكون " من " صفة للمحذوف . ويجوز على مذهب الأخفش أن تكون من زائدة .

( خطوات ) : يقرأ بضم الطاء على إتباع الضم الضم ، وبإسكانها للتخفيف . ويجوز في غير القرآن فتحها . وقرئ في الشاذ بهمز الواو لمجاورتها الضمة ، وهو ضعيف ، ويقرأ شاذا بفتح الخاء والطاء على أن يكون الواحد خطوة والخطوة بالفتح مصدر خطوات ، وبالضم ما بين القدمين ، وقيل : هما لغتان بمعنى واحد .

( إنه لكم ) : إنما كسر الهمزة ; لأنه أراد الإعلام بحاله وهو أبلغ من الفتح ; لأنه إذا فتح الهمزة صار التقدير : لا تتبعوه لأنه لكم ، واتباعه ممنوع ، وإن لم يكن عدوا لنا .

[ ص: 116 ] ومثله : لبيك ، إن الحمد لك ; كسر الهمزة أجود لدلالة الكسر على استحقاقه الحمد في كل حال ، وكذلك التنبيه .

والشيطان هنا جنس ، وليس المراد به واحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية