الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد ( 15 ) ) .

قوله تعالى : ( قل أؤنبئكم ) : يقرأ بتحقيق الهمزتين على الأصل ، وتقلب الثانية واوا خاصة ; لانضمامها وتليينها ، وهو جعلها بين الواو والهمزة ، وسوغ ذلك انفتاح ما قبلها .

( بخير من ذلكم ) : " من " في موضع نصب بخير ; تقديره : بما يفضل ذلك ، ولا [ ص: 200 ] يجوز أن يكون صفة لخير ; لأن ذلك يوجب أن تكون الجنة وما فيها مما رغبوا فيه بعضا لما زهدوا فيه من الأموال ونحوها . ( للذين اتقوا ) : خبر المبتدأ الذي هو " جنات " . و ( تجري ) : صفة لها .

و ( عند ربهم ) : يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون ظرفا للاستقرار .

والثاني : أن يكون صفة للجنات في الأصل قدم فانتصب على الحال ، ويجوز أن يكون العامل تجري . و ( من تحتها ) : متعلق بتجري . ويجوز أن يكون حالا من الأنهار ; أي تجري الأنهار كائنة تحتها ويقرأ جنات بكسر التاء وفيه وجهان : أحدهما : هو مجرور بدلا من خير ، فيكون للذين اتقوا على هذا صفة لخير .

والثاني : أن يكون منصوبا على إضمار أعني أو بدلا من موضع بخير .

ويجوز أن يكون الرفع على خبر مبتدأ محذوف ; أي هو جنات ; ومثله : ( بشر من ذلكم النار ) [ الحج : 27 ] ويذكر في موضعه إن شاء الله تعالى .

و ( خالدين فيها ) : حال إن شئت من الهاء في تحتها ، وإن شئت من الضمير في اتقوا ، والعامل الاستقرار ، وهي حال مقدرة .

( وأزواج ) : معطوف على جنات بالرفع . فأما على القراءة الأخرى فيكون مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره " ولهم أزواج " . ( ورضوان ) : يقرأ بكسر الراء وضمها ، وهما لغتان ، وهو مصدر ، ونظير الكسر الإتيان والحرمان ، ونظير الضم الشكران والكفران .

قال تعالى : ( الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ( 16 ) ) .

قوله تعالى : ( الذين يقولون ) : يجوز أن يكون في موضع جر صفة للذين اتقوا ، أو بدلا منه .

ويضعف أن يكون صفة للعباد ; لأن فيه تخصيصا لعلم الله ، وهو جائز على ضعفه ، ويكون الوجه فيه إعلامهم بأنه عالم بمقدار مشقتهم في العبادة ، فهو يجازيهم عليها ، كما قال : ( والله أعلم بإيمانكم ) [ النساء : 25 ] ، ويجوز أن يكون في موضع نصب على تقدير أعني ، وأن يكون في موضع رفع على إضمار " هم " .

[ ص: 201 ] قال تعالى : ( الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ( 17 ) ) .

قوله تعالى : ( الصابرين ) : وما بعده يجوز أن يكون مجرورا ، وأن يكون منصوبا صفة للذين إذا جعلته في موضع جر أو نصب ، وإن جعلت الذين رفعا نصبت الصابرين بأعني .

فإن قيل : لم دخلت الواو في هذه وكلها لقبيل واحد ؟ .

ففيه جوابان : أحدهما : أن الصفات إذا تكررت جاز أن يعطف بعضها على بعض بالواو ، وإن كان الموصوف بها واحدا ، ودخول الواو في مثل هذا الضرب تفخيم ; لأنه يؤذن بأن كل صفة مستقلة بالمدح . والجواب الثاني : أن هذه الصفات متفرقة فيهم ، فبعضهم صابر ، وبعضهم صادق ، فالموصوف بها متعدد .

التالي السابق


الخدمات العلمية